الثَّالثة: لو وقتا بنَفْرِ الحَجِيج (1) وقيَّدوا بالأول أو الثاني جاز، وإن أطلقا فوجهان:
أحدهما: أن الأجل فاسد؛ لتردد المحل بين النَّفرين.
وأصحهما، ويحكى عن نصه: أنه صحيح، ويحمل على النَّفْر الأول؛ لتحقق الاسْم به، وعلى هذا الخِلاَف التَّوقيت بشهر ربيع أو جُمَادى أو بالعِيد.
ولا يحتاج إلى تَعْيين السنة إذا حملنا المذكور على الأول، وحكي عن "الحاوي" أن التوقيت بالنَّفْر الأول أو الثاني لأهل مَكَّة جائز؛ لأنه معروف عندهم ولغيرهم وَجْهَان، وأنّ في التَّوْقيت بيوم القرِّ لأهل مَكَّةَ وجهين أيْضاً؛ لأنه لا يعرفه إِلا خواصهم، وهذا غير فقيه؛ لأنا إن اعتبرنا علم المتعاقدين فلا فرق، وإلاَّ فهي مشهورة في كل ناحية عند الفُقَهَاء وغيرهم (2).
الرَّابعة: لو أجَّلا إلى سنة أو سنين فمطلقه محمول على السِّنِين الهِلاَلِيّة، فإنْ قَيَّدا بالفَارِسِيّة أو الرُّومِيّة أو الشَّمْسِيّة تقيد بالمذكور.
ولو قال بالعدد فهي ثلاثمائة وستون يوماً، وكذا مطلق الأَشْهر محمول على المشهور الهِلاَلية، ثم ينظر إنْ جرى العقد في أول الشهر اعتبر الجميع بالأَهِلّة تامة كانت أو ناقصة، وإن جرى بعد مُضِيّ بعض الشَّهر عد الباقي منه بالأيام واعتبرت الشُّهور بعده بالأَهِلَّة ثم يتم المُنْكَسِر بالعدد ثَلاَثِين، وأَنَّمَا كان كذلك لأن الشَّهر الشَّرْعي هو ما بين الهِلاَلَيْن؛ إلاَّ أنَّ فِي الشَّهْر المنكسر لا بد من الرُّجُوع إِلَى العدد كيلا يتأخّر ابتداء الأجل عن العَقْد، وفيه وجه: أنه إذا انْكَسَر الجميع، فيعتبر الكُل بالعدد، ويحكى هذا عن أبي حنيفة، والمَذْهب الأول.
وضرب الإمام مثلاً للتّأجيل بثلاثة أَشْهر مع فرض الانْكِسَار فقال: عقدا وقد بقي من صفر، ونقص الرَّبيعان وجُمَادى، فيحسب الرَّبِيعَان بالأَهِلّة ويضم جُمَادى إلى اللَّحظة الباقية من صفر، ويكملان بيوم من جُمَادى الآخرة سوى لَحْظَة، ثم قال: كنت أودُّ في هذه الصُّورة أنْ يكتفي بالأشهر الثّلاثة، فإنها جَرَتْ عَرِبية كَوَامل، وما تمناه هو الذي نقله أبو سعد المُتَوِلِّي وغيره، وقطعوا بحلول الأجَل بانْسِلاخ جُمَادى في الصُّورة