أن مَذْهَبَهُ كمذهب مالك وأما أبو حنيفة فإنه قال: ليس لِلْحَاكِمِ الحَجْرُ عَلَيْهِ، فإن فعل وأمضاه حاكم نفذ في امتناع التصرف عليه، ولكن لا رجوع للبائع في عَيْن متاعه.
ووجه المذهب: ما روى عن كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ وَبَاعَ عَلَيْهِ مَالَهُ" (1) وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ بِعَيْنِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْغُرَمَاءِ" (2) ويروى عنه أنه قال في مفلس أتوه به: هذا الذي قضى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أَيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أفْلَسَ فَصَاحِبُ الْمَتَاعِ أَحَقُّ بِمَتَاعِهِ إِذَا وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ" (3).
ومن جهة المعنى: أنه عقد معاوضة، يدخله الفَسْخُ بالإِقَالَةِ، فدخله الفَسْخُ بتعذر العِوَضِ، كما لو تَعَذَّر المسلم فيه، واحترزوا بالوصف عن الحوالة والخُلْعِ، ثم هاهنا مباحثات:
إحداها: لا شك أن التعلق المَانِع من التصرف يفتقر ثُبوتُه إِلَى توسط حَجْرِ القَأضِي عَلَيْهِ، وهل الرجوعِ إلى عين المَبِيعٍ كذلك أو هو مستغن عن الحجر؟ إن كان الأول فما وجه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أيُّمَا رَجُلٍ مَاتَ أو أَفْلَسَ"، الحديث (4) أثبت الأحقية بمجرد الإِفْلاَس، وإن كان الثاني فلم جعل صَاحِبُ الكتاب الرجوع حُكْماً للحَجْرِ حيث قال: (ثم للحجر أحكام أربعة وهو أحدها)؟ وعلى هذا التقدير يكون الرجوع حكم الإفلاس لاحكماً لِلْحَجْرِ؟
والجواب الذي يدل عليه كلام الأصحاب هاهنا تعريضاً وتصريحاً: افتقار الرجوع إلى توسط الحجر، كافتقار تعلق الديون بالمَالِ، ولفظ الكتاب مطابُقُ له، إلا أن ما حكيناه في تفريع الأَقْوَالِ عند اختلاف المتبايعين في البِدَاية بالتسليم يشعر باستغنائه عن الحَجْر، فراجعه إن لم تتذكر، والمعتمد الأوَّل، والحديث يحتمل وجوهاً من التأويل: منها: أن يريد بالإفْلاَس الحَجْر، فعبر بالسَّبَبِ عن المُسَبَّبِ، فإن الإفْلاَسَ سَبَبُ الحَجْرِ.
ومنها: أن يضمر الحجر فيه.
ومنها: أن يقال: لفظ الحديث الأحقية، وهذا اللفظ يصدق بالتمكين من الرّجُوع