قال الرَّافِعِيُّ: مقصود الفَصْلِ الكلام فيما يباع على المفلس من أمواله وما يترك له، وفيه مسائل:
إحداها: يتفق الحاكم على المُفْلِسِ إلى الفراغ من بيع مَالِهِ وقسمته، وكذا ينفق على من عليه مؤنته من الزَّوْجَاتِ والأقارب؛ لأنه مُوسِرٌ ما لم يزل مِلْكُهُ، وكذا كسوتهم بالمعروف، هذا إذا لم يكن له كَسْبٌ يصرف إلى هذه الجِهَات، وكيف ينفق على زَوْجَتِهِ، قال الإمام: لا شك أن نفقته نفقة المُعْسِرين، وفي "البحر" للقاضي الرّويَانِي أنه ينفق عليهن نفقة الموسرين وهذا قياس الباب، ولو كان ينفق عليهم نفقة المعسرين لما أنفق على الأَقَارِبِ (1).
الثانية: بيع مسكنه وخادمه، فإن كان محتاجاً إلى من يخدمه لزمانته أو كان منصبه يقتضي خادماً، ونص في الكفارات المرتبة أنه يعدل إلى الصِّيَام، وإن كان له مسكن وخَادِم ولا يلزمه صرفه إلى الإعْتَاقِ، فمنهم من خرج منه قولاً في الديون والمذهب تقرير النصين، والفُرْقُ من وجهين:
أحدهما: أن الكَفَّارَةَ لها بدل ينتقل إليه، والدَّيْنُ بخلافه.
وثانيهما: أن حقوق الله تعالى مبنية على المُسَاهَلَةِ وحقوق الآدميين على الشُّحِّ والمضايقة، قال الإمام: والمسكن أولى بالإبقاء من الخَادِم فينتظم أن يرتب الخِلاَف ويقال: فيهما ثلاثة أوجه، في الثَّالث يبقى المسكن دون الخادم.
فإن قلنا: بالإبقاء فذلك إذا كان الإبقاء لائقاً بالحال دون النفيس الذي لا يليق به، ويشبه أن يكون هذا هو المراد مما نقل عن الإصْطَخْرِي أنه إن كان ثميناً بِيَع وإلاَّ فَلاَ.
الثالثة: يترك له دست ثوي يليق بحَالِهِ من قميص وَسَراوِيلَ ومنديل ومكعب (2) وإن كان في الشَّتَاءِ زاد جبة، وتترك له العمامة والطيلسان والخف ودراعة يلبسها فوق القَمِيص إن كان اللائق بحاله لبسهما؛ لأن حَطَّهَا عنه يزري بمنصبه، وتوقف الإمام في الخف والطيلسان، وقال: إن تَرْكَهُمَا لا يخرم المروءة، وذكر أن الاعتبار بما يليق بحاله في إفلاسه لا في بسطته وثروته، لكن المفهوم من كلام الأصحاب أنهم لا يُسَاعِدُونَهُ عليه ويمنعونه قوله إن تركهما لا يخرم المروءة، ولو كان يلبس قبل الإِفْلاَس فوق ما يليق بمثله رَدَدْنَاه إلى اللاَّئِقِ بحاله، ولو كان يلبس دون اللائق تقتيراً لم يزد عليه في الإفْلاَسِ ويترك لعياله من الثوب كما يترك له، ولا يترك الفرش والبسط، نعم، يسامح