لنا قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} (1) حكم بالإنظار ولم يأمره بالاكتساب، وأيضاً فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- "لَمَّا حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لَمْ يَزِدْ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ" ولو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه فوجهان:
أحدهما: أنهما يؤجران، لأن المنافع أموال كالأعيان فيحصل بَدَلُهَا لِلدَّيْنِ.
والثاني: لا، لأن المنافع لا تعد أموالاً حَاضِرة، ولو كان كذلك لوجب إجارة المفلس نفسه ولوجب بها الحج والزكاة.
فعلى الأول يؤجر مرة بعد أخرى إلى أن يفنى الدين، لأن المنافعُ لا نِهَايَةَ لَهَا، وقضيته إدامة الحَجْرِ إلى فَنَاء الدَّيْنِ، ولأن هذا كالمستبعد، ومال الإمام إلى ترجيح الوَجْهِ الثَّانِي، لكن في تعاليق العراقيين ما يدل على أن الأول أظهر (2).
قال الغزالي: ثُمَّ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ وَاعْتَرَفَ بِهِ الغُرَمَاءُ فَيُفَكُّ الحَجْرُ، أَمْ يَحْتَاجُ إلَى فَكِّ القَاضِي فِيهِ خِلاَفٌ، وَكَذَا لَوْح تَطَابَقُوا عَلَى رَفْعِ الحَجْرِ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الحَقَّ لاَ يَعْدُوهُمْ وَلَكِن يُحْتَمَلُ أن يَكُونَ وَرَاءَهُمْ غَرِيمٌ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ بَيْعَةُ مَالَهُ مِنْ غَيْرِ الغُرَمَاءِ لاَ يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ، وَلَوْ بَاعَ مِنَ الغَرِيمِ بِالدَّيْنِ وَلاَ دَيْنَ سِوَاهُ فَفِيهِ خِلاَفٌ لأنَّ سُقُوطَ الدَّيْنِ يُسْقِطُ الحَجْرَ عَلَى رَأيٍ.
قال الرَّافِعِيُّ: إذا قسم الحاكم مالَ المفلس بين الغرماء فينفك الحَجْر أو يحتاج إلى فك القاضي؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه ينفك؛ لأن الحَجْرَ لحفظ المَالِ على الغُرَمَاء، وقد حصل هذا الغرض فيزولُ الحَجْرُ.
وأظهرهما: أنه لا بد من فَكِّ القَاضِي؛ لأنه حَجْرٌ لا يثبت إلا بإثبات القَاضِي، ولا يرتفع إلا برفعه كالحجر على السفيه، والمعنى فيه أنه يحتاج إلى نَظَرٍ واجْتِهَادٍ كحجر السَّفِيهِ، هذا إذا اعترف الغرماء بأن لا مال له سواه، أما إذا ادعوا مالاً آخر وأمكن فالجواب ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- في الحكم الثالث.
ولو اتفق الغرماء على رَفْعِ الحَجْر عنه، فقد حكى الإمام في ارتفاعه مثل هذا الخِلاَف عن الأَصْحَاب.