والمذهب الأول، والحديثُ محمولٌ على الاستظهار والاحتياط.
وأما الصيغة فهي أن يقولوا هو معسر لاَ يَمْلِك إلا قوت يَوْمِهِ وثياب بَدَنِهِ، ولو أضافوا إليه وهو ممن تَحِل له الصَّدَقة جَازَ ولا يشترط، قال في "التتمة": ولا يقتصرون على أنه لا ملك له حتى لا تتمحض شهادتهم نَفْياً لفظاً ومعنى، ويحلف المشهود له مع البينة لجواز أن له مالاً في البَاطِنِ، والشهود اعتمدوا الظاهر وغالب الظَّنِّ، وعن أبي حنيفة أنه لا يَحْلِف، وبه قال أحمد، وهذا التَّحْلِيف مستحق أو مستحب؟ فيه قولان: ويقال وجهان:
الأصح: الاستحقاق وهو ظاهر نَصّه في "المختصر".
وقال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: الأصح الاستحباب وهو ظاهر نصه في حرملة والإملاء، وعلى التقديرين فهل يتوقف على استدعاء الخصم؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا كما لو كانت الدعوى على مَيِّتٍ أو غائب، وعلى هذا فهو من أداب القضاة.
وأظهرهما: نعم كيمين المُدَّعى عليه.
الفصل الثَّانِي: إنا حيث قلنا: يقبل قوله مع يمينه فيقبل في الحَالِ، كما لو أقام البَيِّنَة فتسمع في الحَالِ، قال الإمام: ويحتمل أن يقال: يتأنى القاضي ويبحث عن بَاطِنِ حَالِهِ ولا يقنع بقوله، بخلاف ما إِذَا أقام البَيِّنَة، وحيث قلنا: لا يقبل قَوْلُه إلا بالبَيِّنَةِ، فادعى أن الغرماء يعرفون إعساره فله تحليفهم على نَفْي المَعْرِفَة، فإن نكلوا حَلَف وثبت إِعْسَاره، وإن حلفوا حبس، ومهما ادعى ثانياً وثالثاً أنَّه بان لهم إعساره فله تحليفهم، قال في "التتمة": إلا أن يظهر للقاضي أنه قَصَدَ الإيذاء أو اللجاج، وإذا حبسه فلا يغفل عنه بالكلية، فلو كان غريباً لا يتأتى له إقامة البينة، فينبغي أن يوكل به القَاضِي من يبحث عن منشئة ومنقلبه، ويفحص عن أحواله بحسب الطاقة، وإذا غلب على ظَنِّه إفلاسه شَهِدَ بهِ عِنْدَ القَاضِي، كيلاَ تتخلد عليه عقوبة الحبس، ومتى ثبت الإعْسار وخلاّه الحاكم، فعاد الغرماءُ بعد أيام وادعوا أنه استفاد مالاً وأنكر، فالقول قَوْلُه وعليهم البينة، فإن أتوا بِشَاهِدَيْنِ قالا: رأينا في يده مالاً يتصرف فيه أخذه الغُرماء، فإن قال: أخذته من فلان وديعَةً أو مضاربة وصدَّقَه المقر، ولاَ حَقَّ للغرماء فيه، وهل لهم تحليفه على أنه لم يواطئ المقر له، وأنه أقر عن تحقيق؟ فيه وجهان:
أصحهما: المنع؛ لأنه لو رجع عن إقراره لم يقبل، فلا معنى لتحليفه، وإن كَذَّبَهُ المُقِر له صرف إليهم، ولا يلتفت إلى إقراره لإنسان آخر، وإن كان المقر له غائباً وقف حتى يحضر الغَائِب، فإن صدقه أخذه، وإلا أخذه الغُرَماء.