أصحهما: لا، كما لا يتمكن الشُّرَكاء من أن يطالب بَعْضُهُمْ بعضاً بالبيع.
والثاني: نعم؛ لأنه لا يصل بالقسمة إلى عين حقه، وبالبيع يصل إلى بَدَلِ حقه، وقد يكون له غرض فيه فيباع الكُلّ، ويصرف نصف الثَّمن إليه، وإن كان المخلوط أردأ من المَبِيع فله الفَسْخُ، والرجوع إلى حَقِّه من المَخْلُوط أيضاً، ولكن في كيفيته وجهان نقلهما العِرَاقيون، وتابعهم صاحب "التهذيب".
أحدهما: وبه قال أبو إسحاق: إن المكيلتين تباعان، ويقسم الثَّمن بينهما على قَدْرِ القيمتين؛ لأنه إن أخذ مكيلة منه نَقَص حَقُّه، وإن أخذ أكثر من مَكِيلَةِ لزم الرِّبا، فعلى هذا لو كان المَبِيعُ يساوي دِرْهَمَيْنِ، والمخلوط به دِرْهماً قسم الثَّمن بينهما أثلاثاً.
وأصحهما: أنه ليس له إلا أخْذ مكيلة منه، والمضاربة مع الغرماء بالثمن؛ لأنه نقصان حَصَلَ في البيع فأشبة تعيب العبد والثوب.
وإن كان المخلوط به أجود فقولان:
أحدهما وهو اختيار المزني: أن له الفَسْخَ، والرجوع إلى حَقِّه من المخلوط، كالخلط بالمثل والأردأ، وأيضاً فإنه لو اشترى ثوباً وصبغه، أو سويقاً فَلَتَّةُ لا ينقطع حق الرجوع فكذلك هاهنا. وأصحهما: أنه لا رجوع، وليس له إلا المضاربة بالثمن؛ لأن الرجوع إلى عين المبيع متعذر هاهنا حقيقة وحكماً.
أما حقيقة فللاختلاط.
وأما حكماً فلأن في هذا الخلط لا يُمكَّن من المطالبة بالقسمة بأخذ مكيلة من المخلوط؛ لما فيه من الإصرار بصاحب الأَجْوَدِ، بخلاف ما إذا كان الخلط بالمثل والأردأ، فإن المطالبة بالقسمة جائزة والمأخوذ بمثابة الأول حكماً.
قال الشَّافعي -رضي الله عنه- في تقرير هذا القول: ولا يشبه -يعني ما نحن فيه- الثوب يصبغ ولا السويق يُلَت؛ لأن عين ماله فيه زيادة، والذائب إذا اختلط انقلب حتى لا يوجد عين ماله، ومعناه أن الاختلاط إذا حَصَل لم تكن الإشارة إلى شَيْءٍ من المخلوط، بأنه المبيع، فكأنه هَلَك بخلاف الثَّوْبِ المصبوغ، والسويق المَلْتُوث، ومن هذا الفرق خرج مخرجون في الخَلْطِ بالمثل والأردأ قولاً آخر: أنّه ينقطع به حق الرجوع، وأيد ذلك بأن الحنطة المبيعة لو انهالت عليها حنطة أخرى قبل القَبْضِ ينفسخ العقد على قول، تنزيلاً له منزلة التَّلف، والأظهر: القطع بأن الخَلْط بالمثل والأردأ لا يمنع الرجوع على ما سبق، ويفارق اختلاط المبيع قبل القبض؛ لأن المِلْكَ غير مستقر، فلا يبعد تأثره بما لا يتأثر به الملك المُسْتَقر.
وإذا فرعنا في الخلط بالأجود على قول الرجوع ففي كيفيته قولان: