المحجورين الإقرار بالعُقُوبات، وكثير من التصرفات، ولها أبواب مفرقة مذكورة في مَوَاضِعِهَا.
والنوع الثاني: ثلاثة أضرب:
أحدها: حجر الجنون ويثبت بمجرد الجنون، ويرتفع بالإفاقة وتسلب به الولايات واعتبار الأقوال رأساً، ومن عامله أو أقرضه فتلف المال عنده أو أتلفه فالمالك هو الذي ضيعه، وما دام باقياً يجوز له استرداده، قال في "التتمة": من له أدنى تمييز ولم يكمل عقله فهو كالصبي المميز.
والثاني: حَجْرُ الصبي، والأصل إلغاء تصرفاته وعباراته، ومنها ما يصح وفاقاً أو خلافاً كعباداته، وإسلامه، وإحرامه، وتدبيره، وعتقه، ووصيته، وإيصاله الهدية، وإذنه في دخول الدار، فمنها مَا مَرَّ بيان حكمه، ومنها ما سيأتي.
والثالث: حجر السَّفِيه المبذر، والضرب الأول أعم من الثاني، والثاني أعم مى
والثالث، ومقصود الباب الكلام في هذه الأضرب الثلاثة، والثالث معظم المقصود والأصل فيها قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} (1)
فالسفيه على ما قيل: المُبَذِّر، والضعيف الصبي، والذي لا يستطيع أن يُمِلَّ المغلوب على عَقْلِه، وقال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} (2) الآية، وقد روي "أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ جَعْفَر اشْتَرَى أَرْضاً سَبْخَةً بِثَلاِثينَ أَلْفاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً -رَضِي الله عَنْهُ- فَعَزَمَ أَنْ يَسْأَلَ عُثْمَانَ الْحَجَرَ عَلَيْهِ، فَجَاء عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَر إِلَى الزُّبَيْرِ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ -رَضِىَ اللهُ عنه-: شَرِيكُك، فَلَمَّا سَألَ عَلِيُّ عُثْمَانَ الْحَجْرَ عَلَى عَبْدِ الله قَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أحْجُرُ عَلَى مَنْ كَانَ شَرِيكُهُ الزُّبَيْرُ" (3).
دلت القِصَّة على أنهم كانوا متفقين على جَوَازِ الحَجْرِ بالتبذير، وأنه كان مشهوراً فيما بينهم. وقوله في الكتاب: (والفلس والتبذير) معلمان بالحاء.
أما: الفلس فلما سبق في التفليس.
وأما: التبذير، فلأن عنده لا ينشأ الحَجْر على من بلغ رشيداً ثم صار سفيهاً.
وإن بلغ مفسداً لماله لا يسلم المال إليه حتى يكمل خمساً وعشرين سنة، فحينئذٍ يُسَلم.