هذه القوة لكثافتِهِ، فالموضع الذي علق به الدقيق لا يصل إليه التراب، ثم بماذا نعتبر القلة والكثرة ذكر إمام الحرمين أن المرعى أن يطهر الشيء الخليط ويرى فإن طهر لم يجز التيمم به، وإلا فيه الوجهان، ولم أر لغيره تعرضاً لذلك، بل اقتصروا على ذكر القلة والكثرة (1) ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكاً وأما كونه مطلقاً فقد قال إمام الحرمين: يتعلق به شيئان.
أحدهما: الكلام في التراب المستعمل، ونحن نذكر حكم المستعمل، ثم تعود إلى ما ذكر من التَّعلق بوصف الأطلاق واختلفوا في أن التراب المستعمل في التيمم، هل يجوز استعماله فيه ثانياً وثالثًا؟ على وجهين:
أصحهما: لا كما في الماء؛ لأنه تأدت به العبادة، واستبيح به الصلاة.
والثاني: نعم بخلاف الماء؛ لأنه يرفع الحدث، والتّراب لا يرفع، فلا يتأثر بالأستعمال، ثم الكلام في أن الملتصق من التراب بالوجه واليدين مستعمل حتى لا يجوز على الأصح أن يضرب الإنسان يده على وجه المتيمم ويده ليتيمّم بالغبار المأخوذ منه، وأما المتناثر فهل هو مستعمل حتى يعود فيه الخلاف المذكور؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، لأن التراب كَثِيفٌ إذا علقت منه صفحة بالمَحلِّ، منعت التصاق غيرها به، وإذا لم يلتصق بالمحل فلا يؤثر، ولا يتأثر، بخلاف الماء، فإن صفحاته رقيقة لطيفة، فيلاقى المحل بجميعها.
وأصحهما: أنه مستعمل، كالمُتَقَاطر من الماء، لأن الملتصق والسَّاتر (2) ما دام يمسح بتردّد من الموضع إلى الموضع، وَالفرض يسقط بالجميع، فهذا هو حكم المستعمل، والذي ذكره الإمام من تعلقة بوصف الإطلاق، فليس له وجه بين، لأن التّراب المستعمل موصوف بوصف الإطلاق، كما أنه موصوف بوصف الخَلُوص، وسائر الأوصاف التي هي معتبرة في المتيمم به، ألا ترى أن الإمام الغزالي -قدَّس الله روحه- استثنى الماء المستعمل من الماء المطلق في أول الكتاب، ولولا كون المستعمل مطلقاً لما انتظم الاستثناء، نعم من قال: لا يجوز التيمم بالمستعمل، اعتبر سوى الأوصاف الأربعة شرطاً آخر، وهو أَلاَّ يكون مستعملاً، ومن جوز التيمم به اكتفى بالأوصاف الأربعة، ومعلوم أن هذا الكلام لا اختصاص له بقيد الإطلاق.
الثاني: قال: إن سحَاقَةِ الخَزَفِ أصلها تراب، ولكنها لا تسمى تراباً مطلقاً، فلا يجوز التيمم بها، وتابعه صاحب الكتاب، فجعل وصف الإطلاق احترازًا عن السّحَاقَةِ، وذكره في "الوسيط" ولك أن تقول التراب المطلق وغير المطلق يشتركان في مسمَّى