إن قلنا: لا تصح هذه الحوالة فلا شيء على المحال عليه، فإن تَطَوَّع وأدَّاه كان كما لو قَضَى دَيْنَ الغير.
وإن قلنا: يصح، فهو كما لو ضَمِن، فيرجع على المُحِيل أن أدى بِإذْنِهِ، وكذلك إن أدى بغير إذْنِهِ على أظهر الوجهين؛ لجريان الحوالة بِإِذنه، وقبل الأداء هَلْ يرجعُ على المُحِيل؟ فيه وجهان، بناء على أن المُحِيلَ هل يبرأ؟
إن قلنا: يبرأ فنعم؛ لانتقال الملك إلى ذمته بمجرد الحوالة.
وإن قلنا: لا يبرأ فلا ضَمَان كما أن الضَّامِنَ لا يرجع على المضمونِ عَنْهُ قَبْلَ الأَدَاء، وإن طالبه المحتال بالأداء فله مطالبة المحيل بتخليصه، وهل له ذلك قبل مُطَالبة المُحْتَال؟ فيه وجهان كالوجهين في مطالبة الضَّامن، ولو أبرأ المحتال لم يرجع على المُحِيل بِشَيْءٍ، ولو قبضه المُحْتال ثم وهبه منه ففي الرجوع وَجْهَان (1): ينظر في أحدهما إلى أن الغُرْمَ لم يستقر عليه، وفي الثاني إلى أنه عاد إليه بِتَصَرُّف مبتدأ وهما مأخوذان من القولين فيما إذا وهبت منه الصداق بعد القبض ثم طلقها قَبْلَ الدخول، ولو ضمن عنه ضامن لم يرجع على المحيل، حتى يأخذ المُحْتال منه المَال أو من ضَامِنِه، ولو أحال المُحتالُ على غيره نظر إن أحاله على من عليه دَيْن رجع على محيله بنفس الحوالة؛ لحصول الأداء بها، وإن أحال على من لا دَيْنَ عليه لم يرجع ما لم يرجع عليه الذي أحال عليه.
وأما لفظ صاحب الكتاب فقوله: (والمستحق عليه) أعلمه بعضهم بالواو، لأنا إذا جوزنا الحوالة على من لا دَيْنَ عليه فلو قال من لا دين عليه للمستحق: أحلتُ بالدَّيْنِ الذي لك على فلان عَلَى نَفْسِي فقبلت صَحَّت الحوالة، فإذن لا يشترط هاهنا رضى المُحِيل، وإنما يشترط رِضَى المُحْتال والمُحَالِ عَلَيْهِ.
وقوله: (إيجاباً) أشار به إلى أن المعتبر وإن كان هو الرضى إلا أن طريق الوَقْفِ على تراضيهما إنما هو الإيجاب والقبول على مَا مَرَّ في البيع، ولو قال المحتال: أحلني على فلان، فقال: أحلت، ففيه الخِلاَف المذكور في نَظِيره في بيان الاستحباب والإيجاب في البيع، وفي "جرجانيات" أبي العَبَّاسِ الرّويَانِي طريقةٌ أخرى قاطعةٌ بالانعقاد، لأن الحوالة أجيزت رفقاً بالنَّاس، فيتسامح فيها بما لا يتسامح في غَيْرِها، (ورضا المُحَال عَلَيْهِ لا يشترط) مُعَلَّم بالحاء والواو.
وقوله: (فإن لم يشترط فحقيقته تجويز الضمان بشرط براءة الأصيل إلى حقيقة