الوجه المذكور في اعتبار رِضَا المضمون له في ضَمَانِ المَالِ، قال الإمام: إذا تقرر ذلك فإن كفل برضا المكفول به، وأراد إحْضَاره بطلب المكفول له، نظر إن قال: أحضر خَضْمِي فللكفيل مطالبته بالحْضُور، وعليه الإِجَابة لا بِسَبَبِ الكفالة، ولكن لأنه قد وكله بِإِحْضَارِه، وإن لم يقل ذلك ولكن قال: اخرج عَنْ حَقِّي فهل له مطالبته المفكول به؟ فيه وجهان عن ابْنِ سُرَيَج:
أحدهما: لا، كما لو ضمن بغَيْرِ إِذْنِهِ مالاً، وطلب المضمون له الضَّامِن فإنه لا يطالب الأَصِيل، وذكر على هذا أنه يحبس، واستبعده الأَئِمة؛ لأنه حبس عَلى مَا لاَ يَقْدِر عليه.
والثاني: نعم؛ لأن المُطَالبة بالخروج عن العُهْدَة تتضمن التوكيل والإحْضَار، ومن هذا خرج الذي حكاه صاحب "التقريب" فإنه إذا طالب الكفيل المكفول بالحضور فتظهر الفائدة.
الخامسة: لو تَكَفَّل ببدن الكَفِيل كفيل جَازَ؛ لأنه تكفل بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَقّ لاِزِم، وكذا لو تكفل بِذَلِكَ الكفيل كفيل آخر، ولا حصر كما في ضَمَانِ المَالِ، ثم مهما بَرِئَ الكَفِيلُ الأَولُ برئ كل من بعده، ولو برئ الآخر لَمْ يبرأ من قبله، ولو برئ بَعْضُ الكفلاء المتوسطين برئ من بعده دون من قبله.
السادسة: في مَوْتِ المكفول له ثلاثة أوجه عن ابْنِ سُرَيْجٍ.
أظهرها: إبقاء الكفالة، وقيام ورثته مقامه، كما لو ضمن له المال.
والثاني: أنها تنقطع؛ لأنها ضَعِيفَة فلا نحكم بثبوتها.
والثالث: إن كان له وَصِي أو عليه دَيْنٌ بقيت الكَفَالة؛ لأن الوَصِي نائبه، وتمس حَاجَتُه إلى قضاء الدَّيْنِ، وإن لم يكن وَصِي ولا دين انقطعت.
وقوله في الكتاب: (ويلزمه إتباعه في غيبته) يجوز إعلامه بالواو لأحد الوجهين المذكورين فيما إذا كانت الغيبة إلى مَسَافَةِ القَصْرِ وقوله: (لا يلزمه شيء) يجوز إعلامه بالميم، وكذا إعلام قوله: (يلزمه الدين) بالحاء.
وقوله: (فإن قلنا: لا يلزمه شيء سوى الإحضار فلا تجوز) بالواو للوجه الذي حكاه صاحب "التقريب" أنها جَائِزةٌ دُونَ رِضَاه وإن قلنا: لا يجب على الكفيل شيء سوى الإِحْضَار.
وقوله: (ومهما حضر بنفسه برئ الكَفِيل) يحتاج إلى تقييد معنى حضر وسلم نفسه عن جِهَةِ الكَفِيل.