إحداها: إذا دفع إليه مالاً، ووكله بقضاء دينه، ثم قال الوكيل: دفعته إلى رب الدَّين وأنكر رب الدين، فالقول قوله مع يمينه؛ لأنه لم يأتمن الوكيل حتى يلزمه تصديقه، والأصل عدم الدفع، فإذا حلف طالب الموكل بحقه، وليس له مطالبة الوكيل، وهل يقبل قول الوكيل على الموكل؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم خرّجه ابْنُ سُرَيْجٍ، ويحكى عن أَبي حنيفة؛ لأن الموكل قد ائتمنه، فأشبه ما إذا ادعى الرد عليه.
وأصحهما: لا، بل لا بد من البينة, لأنه أمره بالدفع، إلى من لم يأتمنه، فكان من حقه الإشهاد عليه، فعلى الأول يحلف الوكيل، وتنقطع مطالبة المالك عنه، ولا يغنيه تصديق المدفوع إليه عن اليمين، وعلى الأصح ينظر إن ترك الإشهاد على الدفع، فإن دفع بحضور الموكل، فلا رجوع للموكل عليه في أصح الوجهين، وإن دفع في غيبته فله الرجوع، ولا فرق بين أن يصدقه الموكل على الدفع أو لا يصدقه وعن أبي الطَّيب وجه: أنه لا يرجع عند التصديق، وإن اختلفا، فقال الوكيل: دفعت بحضرتك، وأنكر الموكل، فالقول قول الموكل مع يمينه، وإن كان قد أشهد عليه، ولكن مات الشهود، أو جنوا أو غابوا، فلا رجوع، وإن كان قد أشهد شاهداً واحداً، أو فاسقين فيه خلاف، وكل ذلك على ما ذكرنا في رجوع الضامن على الأصيل. فهذا عرفت ذلك علمت قوله: "ضمن بترك الإشهاد"، وتنزيله على الحالة التي يجب التنزيل عليها, ولو أمره بإيداع ماله، ففي لزوم الإشهاد وجهان مذكوران في "الوديعة".
الثانية: إذا ادعى قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ، فظاهر المذهب أنه لا يقبل قوله، بل يحتاج إلى البينة؛ لأن الأصل عدم الدفع، وهو لم يأتمنه حتى يكلف تصديقه واحتج له أيضاً بأن الله -تعالى- قال: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} أمر بالإشهاد، ولو كان قوله مقبولاً لما أمر، لكن يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد إرشاداً أو ندباً إلى التورع عن اليمين.
وعن رواية ابن المرزبان وغيره وجه آخر: أنه يقبل قوله مع يمينه, لأنه أمين.
الثالثة: إذا طلب المالك مَنْ في يده المال بالرد، فقال: لا أرد إلا بالإشهاد ينظر إن كان ممن يقبل قوله في الرد، كالمودع والوكيل، ففيه وجهان:
أشهرهما: وهو الذي أورده العراقيون: أنه ليس له ذلك؛ لأن قوله في الرد مقبول، فلا حاجة إلى البينة.
والثاني: ويروي عن ابْنِ أبي هُرَيْرَةَ رحمه الله: أن له الامتناع كيلا يحتاج إلى اليمين، فإن الأمناء يتحرزون عنها ما أمكنهم.