والإجماع منعقد على تحريم الغصب، وتعلّق الضمان به. ثم المغصوب إما أن يتلف قبل العود إلى يد المالك، أو لا يتلف، وينئذ فإما أن يعود إلى المالك من غير تغيير فيه، وإما أن يتغير بطارئ، فخص المصنف كلام الكتاب في بابين:
أحدهما: في الضمان عند التلف.
والثاني: في الطوارئ وأحكامها.
أما الأول: فالحاجة فيه إلى معرفة ما يوجب الضمان، وما يجب ضمانه، وما يوجب ضمانًا فهذه ثلاثة أركان:
الأول: الموجب والغصب وإن كان موجبا للضمان فالموجب غير منحصر فيه، بل الإتلاف أيضاً موجب، بل هو أقوى، فإنه بمجرده يوجب إشغال الذمة بالضمان، والغصب بمجرده لا يوجبه، وإنما يوجب دخول المغصوب في ضمانه حتى إذا تلف اشتغلت الذمة بالضَّمان، الاتلاف قد يكون بالمباشرة، وقد يكون بالسبب، فصارت الأسباب ثلاثة:
التفويت بالمباشرة، والتفويت بالتسبب، وإثبات اليد العادية، وهو الغَصْب أما التفويت بالمباشرة والتسبب، فأول مبدئه بيانهما، والفرق بينهما.
واعلم أن ماله مدخل في هلاك الشيء إما أن يكون يضاف إليه الهلاك في العادة إضافة حقيقية، أو لا يكون كذلك، ومالا يكون كذلك، فأما أن يكون بحيث يقصد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك، أو لا يكون كذلك، الذي يضاف إليه الهلاك يسمى علّة، والإتيان به مباشرة، ومالا يضاف إليه الهلاك، ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه يسمى سبباً والإتيان به تسببًا هذا القصد، والتوقع قد يكون لتأثير بمجرده فيه، وهو علة العله، وقد يكون بانضمام أمور إليه هي غير بعيدة الحصول، وقد يخص اسم السبب بالنوع الأول، وعلى ذلك جرى صاحب الكتاب في أول "الكتاب الجراح".
وأما هاهنا فإنه فسر السبب بمطلق ما يقصد به حصول العلّة، وفسره في "الآيات" بما هو أعم من ذلك، فقال: السبب ما يحصل الهلاك عنده بعلّة سواه، ولكن لولاه لما أثرت العلة، فلم يعتبر إلاَّ أنه لا بد منه، وعلى هذا التفسير فكل شرط سبب (1). ولما