الخلاف فيما إذا غصب بيضة، فتفرحت عنده، أو بذراً فزرعه، فنبت أو بذر قز، فصار قزَّاً، فعلى الأصح الحاصل للمالك، ولا يغرم الغاصب شيئاً إلاَّ أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما غصبه؛ لأن المغصوب قد عاد إليه زائداً، وعلى الثاني يغرم المغصوب لهلاكه، والحاصل للمالك في أظهر الوجهين، وللغاصب في الآخر. وبه قال أَبُو حَنِيْفَةَ والمزني، ويجوز أن يعلم لما ذكرنا قوله: "ويرد الخل" بالواو.
وقوله: "والأصح الاكتفاء به" بالحاء والزاي.
لأن اكتفاء المالك مفرع على أنه له وهما لا يجعلان الحاصل له، ثم الأكتفاء فيما إذا لم يكن الحاصل نقص، وهو الغالب.
المسألة الثانية: إذا غصب خمراً، فتخللت في يده، أو جلد ميتة، فدبغه فوجهان:
أصحهما: أن الخل والجلد للمغصوب منه؛ لأنه فرع ملكه، فعلى هذا إذا تلف في يده غرمه.
والثاني: أنهما للغاصب لحصولهما عنده بما ليس بمال.
وفي المسألة طريقان آخران:
أحدهما: القطع بأن الخل للمالك، وتخصيص الوجهين بالجلد؛ لأن الجلد صار مالاً يفعله، والخمر تخللت بنفسها.
والثاني: القطع بأن الجلد للمالك، وتخصيص الوجهين بالخل؛ لأن جلد الميتة يقتنى، والخمر التي غصبها لا يجوز اقتناؤها، فإن كانت الخمر محترمة كانت كجلد الميتة. وإذا جمعت الطرق، واختصرت قلت: هما للمالك، أو للغاصب، أو الخل للمالك، والجلد للغاصب، أو بالعكس فيه أربعة أوجه.
وإذا حكمنا بأنهما للمالك، وذلك فيما إذا لم يكن المالك معرضاً عن الخمر والجلد. وأما إذا كان قد أراق الخمر أو ألقى جلد الشاة الميتة، فأخذها أحد، هل للمعرض استرداد الحاصل؟ فيه وجهان (1)؛ لأنه أبطل اختصاصه بالإلقاء.
وقوله في الكتاب: "فإنه حصل بفعله فيما لا مالية للمالك فيه" هذا في الجلد ظاهر، وفي الخمر كأنه يعني به الحفظ، والإمساك إلى أن تتخلل، والله أعلم بالصواب.