والثاني: في أحكامه كما ذكر في القراض.
وأما التفاسخ والتنازع، فلم يفرد لها باباً؛ لأن حظهما هين في هذا العقد إمَا التفاسخ فلأنه لأزم، وسبيل الفسخ فيه سبيل الإقالات، وإما التنازع فلأنه معلوم مما ذكره في القراض، وقد أشار إليه إشارة خفيفة في آخر الكتاب.
الباب الأول في الأركان: وهي كأركان القراض، إلا أنه ترك ذكر العاقدين اكتفاء بما مَرَّ في القراض، فبقيت أربعة:
إحداها: الأشجار وهي كرأس المال في القراض؛ لأنها محل العمل، والتصرف كالمال هناك.
وقوله: "متعلق العقد" يمكن أن يطابق فيه فيقال: العقد كما يتعلق بالأشجار يتعلّق بالثمار، ولذلك عد الثمار ركنًا للعَقْد، وليس للترجمة اختصاص بالأشجار، نعم لو قال: متعلّق العمل كان قريبًا. وقوله: "إلاَّ أن المُسَاقَاة لازمة
.... " إلى آخره لا يخفى على الناظر أن لفظ الكتاب أنه ليس استثناه محققاً، ثم الغرض منه بيان أن العقدين يشتركان في أكثر، ويفترقان في الأقل، وذكر في افتراقهما مسائل:
إحداها: المساقاة ليس لأحد المتعاقدين فسخها، بخلاف القراض؛ لأن العمل في المُسَاقاة يقع في أعيان تبقى بحالها، وفي القراض لا تبقى الأعيان بعد العمل والتصرف، فكان القراض شبيهاً بالوكالة والمساقاة بالإجارة، وأيضاً فإنا لو حكمنا بالجواز، فربما يفسخ المالك بعد العمل، وقبل ظهور الثمار، وحينئذ فإما أن نقطع حق العامل عنها أو لا نقطع. إن قطعناه ضاع سقاء العامل مع بقاء تأثيره في الثمار، وإنه ضرر، وإِن لم نقطعه لم ينتفع المالك بالفسخ، بل يتضرر لحاجته إلى القيام ببقية الأعمال، ويخالف القراض، فإن الربح ليس له وقت معلوم، ولا تأثيره بالأعمال السابقة، فلا يلزم من فسخه ما ذكرناه.
الثانية: المساقاة لا بد من تأقيتها كالإجارة، وسائر العقود اللازمة، وهذا لأنها لو تأبدت لتصور من ليس بمالك بصور المالكين، وفيه إضرار بالمالكين، وأيضاً فإن المُسَاقاة تفتقر إلى مدة يقع فيها التعهُّد، وخروج الثمار، ولحصول الثمار غاية معلومة يسهل ضبطها، والقراض يخل به التأقيت؛ لأن الربح ليس له وقت معلوم، فربما لا يحصل في المدة المقدرة.
الثالثة: هل يملك العامل نصيبه من الثمار بالظهور؟ فيه طريقان:
أحدهما: أنه على القولين في ربح مال القراض.
وأظهرهما: القطع بأنه يملك.