أحدهما: وبه قال الشَّيْخ أبو محمَّد: أنَّه فاسدٌ؛ لأنَّ العادةَ في الزَّرْع الإبقاءُ مجاناً، فهو كما لو شرطا الابقاء.
وأصحُّهما: أن العقد صحيحٌ؛ لأن التأقيت لحصر المعْقُود علَيْه في منفعة تلْك المدَّة، فعلى هذا، إن توافقا بعد المدَّة على إبقائه مجاناً أو بأجْرة فذَاك، وإنْ أراد المالكُ إجبارَهُ على القلْع، فوجهان:
أحدهُما: وبه قال أبو إسحاق: أنَّه يتمكَّنُ منه لانقضاءِ المدَّة التي تناولها العقْدُ، وهذا ما يوافقُ قولَهُ في الكتاب "وينزل على القلع".
وأشبههما، ويُحْكَى عن اخْتيار القَفَّال: أنَّه لا يتمكَّن منه؛ لأنَّ العادة في الزَّرْع الإبْقاء، وعلى هذا فأظْهر الوجهَيْن: أن له أُجْرَةَ المثْل؛ للزيادة.
وفي وجْهٍ: لا؛ لأنَّه إذا أجَّر مدة، لا يدرك فيها الزَّرْع كان معتبراً للزيادة على تلْك المدة. قال أبو الفَرَج السِّرْخَسىُّ: إذا قلْنا: لا يقلع بعْد المدَّة لزم تصحيح العقد فيما إذا شرط الإبقاءَ بعْد المدَّة، وكأنه صرَّح بمُقْتضَى الأطْلاَق، وهذا حسن.
والحالة الثانية: إذا استأْجر للزِّراعة مطْلَقاً، وفرَّعنا على أظهر الوجْهَيْن، وهو صحته، فعليه أن يزرع ما يدرك في تلك المدة، فإن زرعه وتأخر إدراكه لتقصير أو لغيره تقصير (1)، فعلى ما ذكرنا في الزَّرْع المعيَّن، فإن أراد أن يَزْرع ما لا يدرك في تلْك المدَّة فللمالِك مَنْعُه، لكن لو زرع، لم يقلع إلى انقضاء المدِّة.
وقال الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرازيُّ يُحْتَملَ ألا يُمْنَع من زَرْعِهِ كما لا يَقْلَعُ إذا زَرَعَ.
الصُّورةُ الثَّانيَةُ: إذا استَأْجَر للبِنَاء، أو الغراس، فإما أن يشترطا القلع بعد المدَّة، أو يشترطا الإبْقَاء، أو يسْكُتَا عنهما، أَو يُطْلِقا العقْد، إن شرط القلع، صحُّ العقْد، وَأُمِرَ المستأجر بالقَلْع بعدْ المدَّة، وليْسَ على المالك أَرْشُ النُّقْصان، ولا على المُسْتَأْجر تسوية الأرْضِ، ولا أرْش نقصانها وإن نقصت لتراضيهما بالقلْع، وإن شَرَطا الإبْقَاء بعْد المدَّة، فوجهان:
أَحَدُهُمَا: أن العَقْدَ فاسِدٌ لجهالة المدة، وهذا أرجحُ في إيراد جَمَاعةٍ، منهم الامامُ وصاحبُ "التهذيب".
والثاني: يصحُّ؛ لأنَّ الإطلاق يقتضي الابْقَاء على ما سيأْتي، فلا يضرُّ شرطه، وهذا ما أجاب به العراقيُّون كُلُّهُمْ، أو معظمهم (2) ويتأيَّد به كلام السَّرْخَسِيّ في "مسألة الزرع".