على أنها لو كانت تحيض يوماً وتطهر يوماً -على الاستمرار- لا يجعل كل ذلك النقاء طهراً كاملاً.
قال الغزالي: وَحُكْمُ الحَيْضِ تَحْرِيمُ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ (الأَوَّلُ) مَا يَفْتَقِرُ إِلَى الطَّهَارَةِ كَسُجُودِ التَّلاَوَةِ وَالطَّوَافِ وَالصَّلاَةِ ثُمَّ لاَ يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلاَة عَلَيْهَا.
قال الرافعي: يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب، فليس لها أن تصلّي لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أَقْبُلْتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاةَ (1) وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي".
ولا أن تطوف لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها- وقد حاضت وهي محرمة: "اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ" (2). ولا أن تمس المصحف لقوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (3).
ولا أن تلبث في المسجد لما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ أُحِلُّ المَسْجِدَ لِجُنُبِ وَلاَ حَائِض" (4) ولا أن تقرأ القرآن لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَقْرَأُ الجُنُبُ وَلاَ الْحَائِضُ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ" (5). وفي قراءة القرآن قول قدمناه، وفي معنى الصلاة سُجُود التِّلاَوة والشكر، ولا يجب عليها قضاء الصلاة.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كُنَّا نُؤْمَرُ بقَضَاءِ الصَّوْم وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ" (6). وسيأتي المعنى فيه على الأثر، وقوله: "ما يفتقر إلى الطَّهارة" -إن كان المراد منه الطهارة الكبرى- فالمكث في المسجد داخل فيه فلا حاجة إلى تَكْراره في الأمر الثاني، حيث قال: فالمكث محرم وإن كان المراد الطّهارة الصغرى لم يكن الكلام حاوياً لقراءة القرآن وهي مما تُمْنَع على الحائض أيضاً.
قال الغزالي: (الثَّاني) العُبُورُ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ أَمِنَتِ التَّلْوِيثَ فَالْمَكْثُ مُحَرَّمٌ وَفِي العُبُورِ وَجْهَانِ.
قال الرافعي: الحائض إنْ خافت تلويثَ المسجد -لو عبرت، إما لأنها لم تَسْتَوثِقْ، أو لغلبة الدم- فليس لها العبور فيه صيانةً للمسجد عن التَّلويث بالنجاسة، وليس هذا من خاصية الحائض بل المُسْتُحَاضة وَسَلَس البول ومن به جراحة نضاخة بالدّم -يخشى من المرور التَّلويث- ليس لهم العبور، وإن أمنت التلويث ففي جواز العبور لها وجهان: