والثانية: أنه لَيْسَ في المسألة إلا قولان، واختلفوا في عيْنهما، فعن ابن سُريْج، وأبي إسحاق، وابن أبي هُرَيْرة، والقاضي أبي حامِدٍ وغيرهم؛ أنهما مذْهَبُ أبي حَنِيفةَ، وابن أبي لَيْلَى رحمه الله واحتج لأنهما قولاه؛ بأنه قال لأحدهما: هذا أشبهُ القولَيْن.
ومنهم منْ قال: هما تصديقُ المالِكِ والتحالفُ، وأما تصديقُ الخيَّاطِ، فإن الشافعيَّ رضي الله عنه أعرض عنه، حيث رجَّح القول الآخرَ، وربما أوَّلُوه، فقالوا: إنَّه يؤول إلى التحالف؛ لأنه إذا حَلَفَ الخيَّاط، خرج منْ ضمان الثَّوْب، فيحلف المالك؛ لنفي الأجرة، وهذا هو التحالُفُ.
والثالثة: أنه ليْسَ في المسألة إلا قولٌ واحدٌ، وهو التحالُف، وما عداه، فهُوَ حكاية مذهب الغَيْر، وقد دفعه (1) بقَوْله: وكلاهما مدْخُولٌ، وبهذا قال أبو عليٌّ الطَّبريُّ وصاحب "التقريب" والشيْخُ أبو حامد.
وفي "أمالي" أبي الفرج السَّرْخَسِيِّ عن ابن سُرَيْجٍ أنه، إن جرَى بينهما عقدٌ، فليس إلا التحالُفُ كسائر الاختلاف في كيفية المعاوضات، وإنْ لم يجز فالخيَّاط لا يدَّعي الأجْرَةَ، وإنَّما يدعي النِّزَاع في الأَرْش، ففيه قولان: مذهب أبي حنيفة، وابْن أبي لَيلى، فهذه خمسةُ طرُقٍ، وإلا تدون على أن المسألة على قولَيْن، وهما مذهب الإمامين: مذهب أبي حنيفة، وابن أبي ليلى رضي الله عنهما ثم على أن الأصحَّ مذهبُ أبي حنيفةَ، وربَّما شبهوا القَوليْن بالقولين فيما إذا زرع أرضَهُ، وقال: أعرتنيها، وقال المالِك: بل أكريتكها، ورجَّح صاحبُ الكتاب الطريقةَ القاطعةَ بالتحالُف وزيَّف غيرها.
التفريعُ: إن صدَّقنا الخيَّاط، فهذا حلَف، فلا أرش علَيْه، وهل له الأجْرةُ؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال ابنُ أبي هُرَيْرة: نعَمْ؛ لأنَّه أثبت الإذْنَ بيمينه، ومن قال بهذا لا يسلِّم دعْوَى من يدَّعِي أن تصديق الخيَّاط يؤول إلى التحالف.
وأظهرهما، وبه قال أبو إسحاقَ وأبو عليٍّ الطَّبريُّ: لا؛ لأنَّه في الأجرة مدَّعٍ، فيكون القولُ قول المنكر، وفائدة يمينه دفْعُ الغُرْم عن نفْسِه.
فإن قلنا بالقول، الأول ففي الأجرة الواجِبَة قولان:
أَحَدُهُمَا: الأجرةُ المُسَمَّاة؛ إتماماً لتصديقه.
وأظهرهما: أجرةُ المِثْل؛ لأنا لو صدَّقناه من كلِّ وجهٍ لم نأمَنْ أن يدَّعِيَ مالاً كثيراً كاذِباً. وإن قلنَا لا أُجْرَة له بيمينه، فله أن يدَّعِيَ الأجرة على المالِكِ ويُحْلِفَه، فإن نَكل،