أصحُّها: أنَّه يفيد اختصاصاً كاختصاص المتحجر؛ لأنَّ الاستيلاءَ أبلغُ منه، وعلَى هذا، فسيأتي خلافٌ في أنَّ الأحقيَّة بالتحجر هل يَفيد جواز البيع؟
إن قلْنا: نعم، فهو غنيمةٌ كالمعمور، وإن قلْنا: لا، وهُوَ الأصحُّ -فالغانِمُون أحقُّ بإحياء أرْبَعَةِ أخْمَاسه، وأَهْلُ الخُمْس أحقُّ بإحْيَاءِ خُمُسِهِ، فإنْ أعرض الغانِمُون عنْ إحْيَائِه، فأهل الخمس أحقُّ به؛ لأنَّهُمْ شركاءُ الغانمين، وكذا لو أعْرَضَ بعْضُ الغانمين، فالباقون أحقُّ وإن تركه الغانِمُون وأهْلُ الخُمُسِ جميعاً، ملَكَه من أحياه من المُسْلمين (1).
والثاني: أنَّهُمْ يملكُونه بالاستيلاءِ كالمعمور؛ لأنَّهم حيْثُ منعوا منه، فكأنهم يملكونَه عَلَى أنَّه يجوز أنْ يملك بالاستيلاء ما لم يكنْ مملوكاً كالذَّرَارِي والنِّسْوان.
والثالثُ: أنَّهُ لا يفيدُ الملْكَ ولا التحجُّر؛ لأنَّهُ لم يوجد منه عمل يظهر في الموات؛ فعلى هذا، هو كموات دارِ الإسْلاَمِ (2)، مَنْ أحياه، مَلَكَهُ.
الحالة الثالثةُ: إذا لم تكنْ معمورةٌ في الحال، لكنَّها كانت، معمورةً منْ قبلُ، فإنْ عُرِفَ مالكُهَا، فهي كالمعمورة، وإلاَّ ففيه طريقةُ الخلافِ، وطريقةُ ابنِ سُرَيْج المذكورتان فيما إذا كانتِ العمارةُ جاهليةٌ في القسمِ الأول، وإذا فتحنا بلدةً صُلْحاً عَلَى أن تكون لنا، وهمْ يَسْكُنُون بجزيَةٍ، فالمعمورُ منها فَيءٌ، ومواتُها الذي كانُوا يذبُّون عنْه، هل يكون متحجراً لأهل الفَيْءِ؟ فيه وجهان:
أصحُّهُمَا: نعم، وعَلَى هذا فهو فيء في الحال أو يحبسه الإمام لهم فيه وجهان:
أصحُّهُمَا: الثاني. وإنْ صالَحنَاهُم على أن تكونَ البلدةُ لهم فالمعمُورُ لهم، والمواتُ يختصُّون بإحيائه، كما أنَّ مواتَ دارِ الإِسلام يختص به المُسْلِمُون تَبَعاً للمعْمور، وعن القَاضِي أبي حامدٍ وصاحِب "التقريب"أنَّهَ إنَّما يجب علَيْنا الامتناع عنْ مواتها إذا شرطْناه لهم في الصُّلح.