منه الانتفاعُ بالموات منْ غير إحياء، أمَّا الشوارعُ فمَنْفَعَتُها الأصليَّة الطروقُ، ويجوز الوقوف والجلوس فيها, لغَرَضِ الاستراحةِ والمعاملةِ ونحوهما بشَرْط ألاَّ يضيقَ على المَارَّة أذِنَ الإمامُ فيه أو لم يأْذَنْ (1)، لاتفاق الناسَ علَيْه مع تلاحُق الأعصار، وله أن يُظَلّل على موضع جُلُوسِه بما لا يضُرُّ بالمارَّة من ثَوْبٍ وبَادِيَّةٍ ونحوِهِمَا، وفي بناء الدِّكة على ما ذكرناه في كتاب الصُّلْح.
فلو سبَقَ اثنانِ إلى موضعٍ، فيقرع بينهما، أو يقدم الإمامُ أحدَهُمَا؟ فيه وجهان:
أظهرُهما: الأوَّلُ، وفي ثبوت هذا الارتفاقِ لأهْل الذمَّةِ وجهان، رواهما القاضي ابنُ كَجٍّ، واختلفوا في أنَّهُ، هل لإِقْطاع الإمام مدْخَلٌ فيه؟ على وجهين:
أحدهُمَا: أنَّه لا مَدْخل له في هذا الارتفاق؛ لأنَّه منتفعٌ بها على صفتها منْ غَيْر عمل، فأشبهتِ المعادنَ الظَّاهرة، ولأنَّهُ لا مَدْخَلَ للتَملُّك فيه، ولا معْنى للإقطاع بخلاف المَوَات.
والثاني: أنَّ له مَدْخلاً فيه؛ لأنَّ للإمام نَظَراً واجتهاداً في أنَّ الجلوسَ في المَوْضع، هل هو مضرٌّ أم لا؟ ولهذا يزعج من جلس ورأى جلوسه مضراً.
وإذا قلنا: يزعج إذا أدام الجُلُوس، فإنَّما يزعجُه الإمامُ، وإذا كان للاجتهاد فيه مدْخلٌ، فكذلك لإقْطَاعِهِ، وذكر المصنِّف أنَّ الوَجْهَ الأولَ أظهرُ، ويُقالُ: إنه اختيارُ القفَّال، لكنَّ الذي عليه الأكثرون الثاني، وهو نصَّ علَيْه الشافعيُّ -رضي الله عنه- ثم للنزاع مجالٌ في القول الأوَّل أنَّه لا مدخل فيه للتملُّك؛ وفي "الرقْم" للعَبَّادِيِّ، وفي "شَرْحُ مختصر الجُويْنِيِّ" لأبي طاهر روايةُ وجهِ أنَّ للإمام أنْ يتملَّكَ من الشَّوَارع ما فَضَل عن حاجة الطُّروق (2).
إذا تقرَّر ذلك فلو جَلس في موْضعٍ، ثم قام عَنْهُ، نُظِرَ؛ إن كان جلوسه لاستراحةً وما أشبَهها بَطَلَ حقُّه، وإن وإن لحرفةٍ ومعاملةٍ، فإنْ فارقَهُ عَلَى ألا يَعُودَ لتركه الحرْفَة، أو لقعودِهِ في موْضِعٍ آخرَ، فكذلك الجواب، وإنْ فارقه عَلَى أن يعود، فالأشبهُ