في آخِرِ الكتاب. قال الأَصْحَابُ: أصْلُ الفَصْل أنَّ الإحياءَ في الشَّرْع ورَد مطْلَقاً، فيترك على ما يُعَدُّ إحياءً في العُرْف كالقبوض والإحراز، ويختلفُ ذلك باختلافِ ما يقصد من عمارة المَوَات. وتفصيله بصُوَرٍ:
إِحْدَاهَا: إذا أراد المَسكن، اعْتُبِرَ في المِلك ثلاثة أُمورٍ:
أحدُها: التَّحْوِيطُ، إما بالآجر أو اللَّبن، أو بمحض الطِّين، أو ألواح الخَشَب، أوِ القصبِ، بحسب العادة (1).
والثاني: تسقيفُ البَعْض ليُهَيَّأْ للسُّكْنَى، ولأنَّ اسْمَ الدارِ، حينئذ، يقعُ عليه، وعن صاحبِ "التقريب" وجهٌ: أنَّه لا حَاجَة إلى التَّسْقِيفِ.
والثالثُ: تغليقُ البَاب؛ لأنَّ العادَة في المنازل أنْ يَكُونَ لها أبوابٌ، وما لا بَابَ لهُ لا يُتَّخَذُ مَسْكناً، وفي "الشامل" وَجْهٌ آخَرُ: أنَّه لا يُعْتَبُرُ؛ لأنَّ نَصْبَ الباب للحفْظِ، والسكْنَى ولا تَتَوقَّفُ عليه.
الثانية: إذا أراد زَرِيبَةً للدَّوابِّ أو حظيرةً يجفِّف فيها الثمار، أو يَجْمَعُ فيها الحطب أو الحشيش، اعْتُبِر التحويطُ، ولا يَكْفِي نَصْبُ سعف وأحجار من غير بناء؛ لأنَّ المتملِّكَ لا يقتصر عَلَيْه في العَادة، وإنَّما يفْعل مثْله المجتاز المرتفق، ولو حَوَّط بالبناء في طرف، واقتصر للباقي عَلَى نصب الأحجار والسَّعَف، حَكَى الإمامُ عن القاضي أنَّهُ يَكْفِي، وعنْ شيخه المَنْع، ولا يُشْتَرط التَّسْقِيفُ ههنا، وفي تعليق الباب ما سِيقَ من الخلاف.
الثالثة: إذا أراد أنْ يَتَّخِذَ مواتاً مزرَعَةَ فيعتبر في إحيائه أمُورٌ:
أحدهُا: جَمْعُ التُّراب حَوَالَيْه؛ لَيَنْفَصِلَ المُحْيَا عن غيره، وفي معْناه نصب شوك ولا حاجةَ إلى التَّحْوِيط، فإنَّه معظمَ المزارعِ بارِزَةٌ.
الثاني: تسويةُ الأرْض بِطَمِّ المنخفض، وكسْح المستعْلي، وحِرَاثَتُها، وتلْيين ترابها فإنْ لم يتيسّر ذلك إلا بماءٍ يُسَاقُ إلَيْها، فلا بد منه لتَتهيّأ الأرضُ للزراعة.
والثالث: ترتيبُ ماءٍ لها، إما بِشقِّ ساقيةٍ من نهرٍ، أو حفْرِ بئراً وقناةٍ وسَقْيها، هكذا أطلَقَ مطْلِقُون.
والأشْبَهُ تفصيلٌ ذكَرَه القاضِي ابن كجٍّ؛ تلخيصه أنَّ البقعةَ، إن كانتْ بحيث يَكْفِي لزراعَتِها ماءُ السماء، فلا حاجةَ إلَى سَقْيٍ، ولا ترتيب ماءٍ وحكَى عن أبي علي الطبري