أتصدَّقَ بكذا، أو أُهْدِيَ هَدْياً، ولم يبيِّن المصْرَف، واحتجُّوا لهذا القَوْلِ بأنَّه لو قال: أوصَيْتُ بثلث مالِي، واقتصَرَ علَيْه، تصحُّ الوصيةُ، ويُصْرَفُ إلى الفقراء أو المساكِينِ، وهذا، إنْ كان متَّفَقاً علَيْه، فالفرقُ مشكِلٌ، وُيعْزَى القولان في المسألة إلى نصِّه في "حرملة"، وبعضُهم يَحْكِي الخلافَ في المسألة وجْهَيْن (1).
وإذا قلْنا بالصحة، ففي مصرفه الخلافُ المذكورُ في منقطع الآخر، إذا صحَّحناه، وعن تخريجِ ابنِ سُرَيْج أن المتولِّيَ يصْرِفُه (2) إلى ما يراه من وجوه البرِّ؛ كعمارة المساجد، والقناطر، وسدِّ الثغور، وتجهيزِ المَوْتَى، وغير هذا.
الصورةُ الثانيةُ: وقَفَ عَلَى شخصَيْن، ثم عَلَى المساكين، فماتَ أحدهما، حكَى الأئمةُ في نصيبه وجهين:
أَظْهَرْهُمَا: ويحكَى عن نصِّه في "حرملة" أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى صاحبه؛ لأنَّ شَرْطَ الانتقال إلى المساكين انقراضُهما جَمِيعاً، ولمْ يوجَدْ، وإذا امتنع الصَّرْف إليهم، فالصرفُ إلَى من ذكره الواقف أَوْلَى.
والثاني: عن أبي عليٍّ الطبريِّ: أنَّه للمساكين، كما أنَّ نصيبهما، إذا انقرضا، للمساكين، والقياسُ وجهٌ ثالث؛ وهو ألاَّ يُصْرَفَ إلَى صاحبه ولا إلى المساكين، ويقال: صار الوقْفُ في نصيب الميِّت منقطعَ الوَسَط، ولو وَقَف على شخَصيْن، ولم يذكْرُ من يَصْرِف إلَيْه بعْدَهما، وصحَّحنا الوقْف المنقطع الآخر، فمات أحدهما، فنصيبُه للآخَرِ، أو حُكْمُه حكم نصيبهما، إذا ماتا، فيه وجهان.
الصورةُ الثالثةُ: لو وقَف علَى البُطُون، فردَّ البطن الثاني، وقلْنا يرتدُّ بردِّهم، فهذا وقْفٌ منقطعُ الوَسَط، وقد سَبَق ما فيه من الاختلافات.
ومنها ما خصَّه بالذكر ههنا، وهو الصَّرف إلى الجهة العامَّة المذكورة بعْد انقراض البُطُونَ جَمِيعاً، وإنَّما احتاجَ صَاحِبُ الكتاب إلَى تخصيصه بالذِّكر (3) لأنَّ قولَه: وفي مَصْرَفِه ما ذكَرناه أراد ما ذكره في منْقَطِعَ الآخِرِ، وهذا القول لا مجالَ له هُناك. وفي المسْألة وجْهٌ أو قولٌ آخَرُ: "أنَّه يُصْرَفُ إلى البطن الثالِثِ، ويقَدَّر البَطْن الثانِي معْدومين. ويجوز أن يُعْلَمَ قوله في الكتاب: "فلو اقتصر على قوله: وقَفْتُ، لم يَصِحَّ" بالميم والألف؛ لأنَّ الروايةَ عنْهما الصِّحَّةُ، والله أعلم.