والأوَّلُون يقولون: إنَّما يُجْعَل بيعاً عَلَى رأْيٍ، إذا تعذِّر جعلُه هبةً، وذلك إذا قلْنا: إنَّ الهبةَ لا تَقْتَضِي الثَّوابَ.
أمَّا إذا قلْنا: "يقتضيه، فاللفظ والمَعْنَى متطابقان، فلا معنَى لجعله بَيْعاً.
وحكَى القاضِي ابن كجٍّ عنْ نصه أنَّه، لو وهَبَ من اثنين بشرْط الثواب، فأتى به أحدُهُما دون الآخر، لم يرجع في حصَّة من أثاب، وأنَّه لو أثاب أحدَهما عن نَفْسه، وعنْ، صاحبه، ورضِيَ به الواهبُ، لم يرجع على واحدِ منهما، ثم إنْ أثاب بغير إذْنِ الشريك لم يرجع عَلَيْه، وإن أثاب بإذْنه، رَجَعَ بالنِّصْف هذا إذا كان الثوابُ ممَّا يُعْتَادُ ثواباً لِمِثْلِهِ، فإنْ زاد، فهو متطوع بالزيادة.
ولو خرج الموهوب مستحقّاً بعد الثَّواب، رجع بما أثاب على الواهب، وإن خرج بعْضه مستحقّاً، فهو بالخيار بيْن أن يَرْجِعَ على الواهب بِقِسْطِهِ منَ الثَّواب، وبْين أنْ يردَّ الباقَي، ويرْجعَ بجميع الثواب، وقِيل: يبطلُ الهبةُ في الكُلِّ، كما في نظيره من البَيْع.
وقال القاضي أبو حامد: لا يجيْء قوْلُ الإبْطال في الهِبَة.
ولو قال الواهِبُ: وهبتُ منْكَ ببذل، وقال المتَّهب: وهبت بلا بَدَلٍ.
والتفريعُ عَلَى أنَّ مطْلَق الهبة لا يقتضي ثواباً، فالمصدَّق الواهب؛ لأنَّه لم يعترفْ بزوالِ مِلْكِهِ إلاَّ ببَدَلٍ أو المتَّهب؛ لأنَّهما توافَقَا عَلَى أنَّه ملْكُهُ والأصل أنْ لا عِوَض؟ فيه وجهانُ بالأول أجاب القاضي ابْنُ كج (1).
ونختم الكتاب بفُرُوع متعددة حامِدِينَ الله تعالى:
لو دفَعَ إلَيْهِ دِرْهماً، وقال: خذْهُ وادْخُلْ به الحَمَّام، أو دَرَاهِمَ، وقال؛ اشْتَرِيهَا لِنَفْسِكَ عَمَامَةَ. في "فتاوى القفال" أنَّه، إنْ قال ذلك عَلَى سبيل البسط المعتاد، مِلْكَهُ وتصرَّف فيه، كيف شاء، وإن كان غَرَضُه تحْصِيلَ ما عيَّنه لما رأَى به من الوسخ والشعث، أو لِعِلْمِهِ بأنه مكْشُوفُ الرأس، لم يَجُز صرْفُه إلَى غيْر ما عيَّنه.
وَسُئِلَ الشَّيْخُ أبو زَيْد عن رجُلٍ مات أبوه، فبَعَثَ إلَيْه إنْسانٌ ثَوْباً ليكفنه فيه، هلْ يملكه حتَّى يُمْسِكَهُ ويُكَفِّنَهُ في غيره؟ فقال: إنْ كان الميِّتُ ممن يتبرك بتكْفِينِهِ لفقه أو