عَنْهُ- كانَتْ لَهُ حَظِيرَةٌ يَحْفَظُ فِيهَا الضِّوَالَ (1).
وفي آحاد الناس وجهان:
أحدهُما: أَنَّ لهم الأَخْذ؛ للحِفْظَ أيضاً؛ كيْلاَ يأخُذَهَا خَائِنٌ فَيُضيعَهَا.
والثاني: المَنْعُ، إذْ لا ولايةَ للآحَادِ علَى مالِ الغَيْرِ، وهذا أظهرُ عنْد صاحِب "التهذيب"، والأَوَّلُ أظهرُ عنْد الشَّيْخ أبي حامِدٍ، والمتولِّي وغيرهما، وَيُحْكَى عنْ رواية الرَّبيع عن النَّصِّ، وأمَّا أَخْذُهَا للتملُّك، فهو غيرُ جائزٍ؛ خلافاً لأبي حنيفة -رضي الله عنه- لنا قولُهُ -صلى الله عليه وسلم- في ضَالَّة الإِبلِ "مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤهَا" (2) في الحديثِ المذكورِ في أوَّل البَاب، والمعْنَى فيهَ أَنَّ مِثْلَ هذا الحيوان مَصُونٌ عَنْ أكثر السِّبَاع بامتناعه، مُسْتَغْنٍ بالرَّعْيِ بالنَّظَر للمالِكِ ألاَّ يتعرضَ له حتَّى يجده، والغالبُ أنَّ من أَضَلَّ شَيْئاً، طلَبَه حَيْثُ ضَيَّعَهُ، فلَوْ أخَذَها أَحَدٌ علَى قَصْدِ التَّمَلُّكِ، ضَمِنَها، ولم يَبْرَأ عن الضَّمَانِ بالرَّدَّ إلَى ذلك الموضع.
وعن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنَّهُ يَبْرَأُ بردِّها إلَى موضِعِها إلاَّ أنْ يخلصها من نارٍ أو ماءٍ، ثم يردَّها إليه، ولو رَدَّها إلَى الحاكِمِ، بَرِئَ على أصَحِّ الوجهَيْن.
وإنْ وُجِدَتْ في بلدةٍ، أو قريةٍ، أو مَوْضِعٍ قريبٍ منْها، فوجهان، أو قولان:
أحدُهُما: لا يجوزُ التقاطُهَا للتملُّكِ، كما لو وُجِدَتْ في المَفَازَةِ لإطْلاَق الحديث.
وأصحُّهما: وبه قال أبو إسْحَاق: أنَّهُ يجوز؛ لأنَّها في العُمْران تَضِيعُ بامتداد اليد الخائنة، بخلافِ المَفَازَةِ، فإن طُروقَ النَّاسِ بها لا تعُمُّ، ولأنَّها لا تجدُ ما يكفيها، ولأنَّ البهائِمَ في العُمْرَاتِ لا تُهْمَل، وفي الصَّحراء قد تَسْرَح وتُهْمَل، فيحتملُ أنَّ صاحِبَها لم يضلَّها.
وحكَى القاضي ابْنُ كَجٍّ عنْ رواية القَاضِي أبِي حَامِدٍ طريقَيْن آخَرَيْنِ في المَسْألة:
أحدُهُما: القَطْعُ بالأَوَّل.
والثاني: القطعُ بالثَّاني، فإِنْ مَنعْنَا، فالْتقاطُهَا عَلَى قَصْدِ التملُكِ، كما ذكَرْنا في الْتقاطِها مِنَ الصَّحْراءِ، وإنْ جوَّزناه، فعَلَى ما سنذكره في النَّوْع الثاني، هذا إذا كانَ الزَّمَانُ زَمَانَ أَمْنٍ، فأمَّا في زَمَانِ النَّهْبِ والفَسَادِ، فيَجُوزُ التِقَاطُهَا، سواءٌ وُجِدَتْ في