لم يضربْ بموجب جنايته علَى بيْتِ المالِ، وتركتُه فَيْءٌ.
وأمَّا الجنايةُ عَليْه، فإمَّا أنْ تكونَ خَطَأً أو عَمْداً:
إن كانت خَطَأً، نُظِرَ، إنْ كانتْ علَى نَفْسِهِ، أُخِذَتِ الدِّيةُ، وُوُضِعَتْ في بيْتِ المالِ، وقياسُ مَنْ قال بالتوقُّف في أحكامه ألا يوجب الديةَ الكاملةَ، ولَمْ أَرَ ذكْرهُ (1).
وإنْ كانتْ على طرفه، فواجبها حقُّ اللقيط يستوفيه القَاضِي له، ويعُودُ فيه القِيَاسُ المذكورُ. وإنْ كانَتْ عَمْداً، فإنْ قُتِلَ، فالنصُّ في "المختصر" وجُوبُ القصاص، وقطَعَ به بعْضُ الأصحابِ (2) فيما رواه أبو الفرج الزاز، ولم يُثْبِتُوا فيه خلافاً.
وأثبت الأكثرون فيه قولاً آخَرَ أنَّه لاَ يَجِبُ القِصَاصُ، ثُمَّ اخْتَلَف فيهِ هؤلاء في شيئين.
أحَدُهُمَا في مأْخَذ القولَيْنِ:
قال قومٌ: وجْهُ الوُجُوب: أنَّه مسْلِمٌ معْصُومٌ، ووَجْهُ المَنْع؛ أنَّه، لو وَجَبَ القِصَاصُ، لَوَجَبَ لعامَّةِ المُسْلِمِينَ، كما يُصْرَف ماله إليهم، وفي المُسْلِمِين صبْيَان ومَجَانِينَ.
ومهما كان في الوَرَثَةِ صبيان ومجانينٌ، لا يمكن أستبقاءُ القِصَاص قَبْلَ البُلُوغ والإفَاقَة، وأيْضاً، فإنَّه لا بُدَّ مِن اجتماعِ الورثةِ على الاستيفاء، واجتماع جميعِ المسلمين متعذِّرٌ.
وعن صاحب "التقريب" بناؤهُمَا على أنَّ المحكوم بإسْلامه تَجْرِي علَيْه أحكامُ الإسْلاَم، أو نتوقَّف فيه إلَى أنْ يُعْرِبَ بالإِسلام؟
فإن قلْنا بالأول، أوجَبْنَا القِصَاصَ، وإنْ قلنا بالثاني، فقد فات الإعرابُ بقَتْله، فلا يجْري علَيْه حكمُ المسلمين، وهذا لو أوصَى من ليس له وارثٌ.
قال: والمأْخَذُ الأوَّل فاسدٌ؛ لأنَّ الاستحقاق يُنْسَبُ إلى جهة الإسْلام، لا إلى آحاد المُسْلمين؛ ولهذا لو أوصَى مَنْ لَيْس له وارثٌ خاصُّ لجماعةٍ من المسلمين، لا يُجْعَلُ ذلك وَصِيَّةً للورثة، فهَذَانِ مأْخَذَانِ للمسألة.
وفرَّع عليهما الشيخُ أبو محمَّد، ما إذا أ ثبت لرَجُلٍ حَقَّ قصاص لم يستَوْفِهِ، حتَّى مات، وورثه المسلمون، فعلى المأخَذِ الأوَّلِ في بقاء القِصاصِ القولان، وعلى