انْقَطَعَ خَبَرُه، وجُهِلَ حالُهُ، إما في سَفَر أو حَضَرٍ، في قتالِ أو عنْد انكسارِ سفينةٍ، وغيرهما, وله مالٌ حاضِرٌ، وفي معناه الأسيرُ، إذا انقطع خَبَرُهُ.
قال صاحبُ الكِتَابِ "ولا يقسَّم ما لم تقم بينة علَى موْتِهِ أو تَمْضِ مُدَّةٌ يحكم الحاكم فيها بأنَّ مثله لا يَعِيشُ".
فأمَّا القسْمةُ عنْد قيامِ البَيَّنَة على موته فجائز.
وأما إذا لم تَقُمْ؛ فعنِ الأستاذِ أبي مَنْصُورٍ وغيره، أن الصَّحيح أنَّه لا يقسم ماله، ولا مُدَّة ينتهي إليها؛ لاختلاف أعْمَارِ الناس في جميع الأعصار.
وقد نصَّ الشافعيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- على أنَّ زوجَةَ المفْقُود تَصْبِرُ إلَى أن يعرفَ حالُهُ، فكذلك ههنا.
والأكثرون أجَابُوا بما ذكَرَهُ في الكتَابِ منْهم ابنُ اللَّبَّان وصاحب "الشامل" و"المهذب" وأبو الحسن العبَّادِيُّ، ولعلَّه الأظهر.
وعلَى هذا؛ فالبحثُ والنَّظَر في أمور:
أحدها: ليستْ هذه المدَّةُ مقدَّرة عند الجمهور، قالوا: وهُوَ الظاهر من مذهب أبي حنيفَة ومالك -رحمهما الله- ومِنْ أصحاب مالكٍ من يُقَدِّرها بسبعينَ سَنَةً، ومِنْ أصحابِ (1) أبي حنيفَة مَنْ يقدِّرها بمائَةٍ وعشرِينَ سنَةً، ويرويه عنه. ومن أصحاب مالك من يقدرِّها بتسعين سنة، ومن فرائض بعْضِ المتأخِّرين أن مِنْ أصحابنا مَنْ قال به.
وعن أحمدَ أنَّه ينتظر أربع سنين، فإذا مضَتْ، ولا أثر، قُسِّم ماله، ونكحت زوجته، فيجُوزُ أنْ يُعْلَم قولُهُ: "لا يقسَّم" بالألف كذلك.
والثاني: أنَّه تعتبر مدة يقطع بأنَّه لا يَعيشُ أكْثَرَ منها أو مدَّة يغْلِبُ على الظنِّ أنه لا يعيشُ أكثر منها، منهم من اكتفَى بغالب الظنِّ، ومنهم من أطْلَقَ لفْظ القطع واليقين.
هذا ابن اللَّبَّانِ يقُولُ: كان الشافعيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- لا يقسِّم مالَهُ، حتى يُعْلَمَ موْتُهُ أو تمْضِيَ مدَّةٌ يُتَيَقَّنُ فيها بمَوْتِهِ، والأشْبَهُ الأوَّل، ويجوز أن يُحْمَلَ الثاني علَيْه؛ لأنه قد يتساهَلُ في إطْلاق لفظ اليقِينْ على الظَّنِّ الغالب؛ ألا ترَى إلى قَوْلَ الشافعيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- في أمْرأةِ المفْقُود، وأنَّها لا تُنْكَحُ ما لَمْ يَأتها يقينُ وفاتِهِ، ومعْلومٌ أن قيام البيِّنة على الوفاةِ كافٍ، وأنَّها لا تفيدُ القَطْع.
الثالث: لعلَّك تقولُ: من الأصحابِ مَنْ يقول: لا يقسَّم مالُهُ حتَّى تمضي مدةٌ،