واعلم أنَّا ذكرنا ما قيل في طريق تقويم المنفعة من قبل، ويشبه أن يُقَالَ: إنَّه غيرُ صَالحٍ لتقويم منفعة الموصَى بها (1) كما ذكره أبو إسحاق، لكنه صالح المعرفة ما فات على الورثة، أمَّا الأول؛ فلأنَّا إذا قوَّمنا الرقبةَ مع منافعها، فلا يُعْتَبَرُ فيه إلاَّ صفاتُ الرقبة في الحال، ولا ينظر إلى تأبدها, ولا تأقتها، كما لا يُنْظَرُ في الذَّات إلَى مدة بقائها، والموصَى به ليس له مجرَّدُ المنفعة، بل منفعة مدة العمر، فإِذنِ الطريق المذكور، لو أفاد، إنما يُفِيدُ معرفة قيمة المنفعة، لا قيمة المنفعة أبداً، وهي التي أوصَى بها.
وأما أنه صالِحُ المعرفة ما فات على الورثة؛ فلأنا إِذا قوَّمناه منتفعاً به، ومسلوب المنفعة، عَرَفْنا أن ما نَقَصَ هو الذي فوته على الورثة، فأمكن أنْ يقال: إنه المعتبرُ منْ الثلث، ويجوز أن يفوت على الورثة بوصيته ما لاَ يَحْصُل للموصَى له، كما لو أوصَى بأحد مصراعَي الباب، وزوْجَيِ الخُفِّ.
والذي ينبَغِي أن يُعْتَبَرَ منْ الثُّلُثِ هو الذي نقص من قيمتها، فإن قلنا: إن المحسوب منْ الثُّلُثِ قدر التفاوت، فهل يُحْسَبُ قيمة الرقبة منْ التركة أم لا تُحْسب على الوَارِثِ، كما لا تُحسب على الموصَى له؟ فيه وجهان:
أظهرهما: الأول، ولنوضِّحْ ذلك بالمثال:
أوصَى بمنفعة عبد، قيمته بتمام منَافِعِه مائة، ودون المنافع عَشَرةٌ، فعلى المنصوص يُعْتَبَرُ منْ الثلث المائة، ويشترطَ أن يكون له سوى العبد مائتان، وعلى الثاني المعتبر التسْعُونَ، فيشترط أن يبقَى للورثة ضعْفُ التسعين مع العَشَرة على وجه، ودونها على وجه، هذا إذا أوصَى بمنفعته أبداً، وإن أوصَى بها سنة أو شهراً، ففيه طرق:
أحدها: أن الحكم كما في الوصية المؤبَّدة، نقله بعض الشارِحِينَ.
والثاني: عن الخُضَرِيِّ: إنِ اعتبرنا تفاوُتَ ما بين القيمتَيْنِ هناك، فهاهنا أَولَى، وإن اعتبرنا قيمة الرقبة، فهاهنا وجهانِ؛ بناءٌ على جواز بيع المستأجر. إن جوزناه، اعتبرنا منْ الثلث قدر التفاوت، وإلاَّ، اعتبرنا قيمة الرقبة؛ لأنها كالتالفة، ويمكن على هذا القياس أن يُبْنَى الخلاف فيما إذا أوْصَى بمنفعته أبداً على الخلاف في أنَّ الوارث، هل يتمكَّنُ منْ بيعه؟
والثالث: أن المعتبر الثُّلُثُ منْ قيمة منفعةِ تلْكَ المدة، وهي أجرة المثل، واستبعده في "الوسيط" لأن المنافع تحدُثُ بعد الموت، فليس الموصي مفوتاً لها مِنْ ملَكه.