والمعنى وما استحال في مقر في الباطن، وقوله: "كالدَّم وَالبَوْلِ وَالعَذْرَةِ" ينبغي أن يعلم البول والعذرة بالميم والألف والواو إشارة إلى ما حكينا من مذهب مالك وأحمد والإصطخري، بل لا بأس بإعلام الدم أيضاً بالواو؛ لأن في المتحلب مِن الكَبدِ وَالطّحَالِ وجهاً أنه طاهر، وكذلك فِي دَمِ المسْكِ، والله أعلم.
قال الغزالي: وَالألْبَانُ طَاهِرَةٌ مِنَ الآدَمِيِّينَ (ح) وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانِ مَأْكُولِ، وَإِلا نَفْحَةُ مَعَ اسْتِحَالَتِهَا فِي البَاطِنِ قِيلَ بِطَهَارَتهَا لِحَاجَةِ الجُبْنِ إلَيْها.
قال الرافعي: اللبن من جملة المستحيلات في الباطن إلا أن الله تعالى منَّ علينا بألبان الحيوانات المأكولة، فقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} (1) الآية، وجعل ذلك رِفْقًا عظيمًا بالعباد.
وأما غير المأكولَ، فإن كان نجسًا فلا تخفى نجاسته منه، وإن كان طاهرًا فهو إِمَّا آدمي، أو غيره أما الآدمي فلبنه طاهر إذ لا يليق بكرامته أن يكون نَشؤُهُ على الشيء النَّجِسِ، ولأنه لم ينقل أن النسوة أمرن في عصره بغسل الثياب والأبدان مما يصيبهن من اللبن، وحكى وجه أنه نجس كسائر ما لا يؤكل، وإنما يربى الصبي به للضرورة، وأما غير الآدمي فالمذهب نَجَاسَةُ لبنه على قياس المستحيلات، وإنما خالفنا في المأكول تبعًا للحم وفي الآدمي.
لكرامته: وعن أبي سعيد الأصْطَخِريُّ أنه طاهر كالسُّؤْر والعَرَق. وإذا عرفت ذلك فالمعتبر عنده في طهارة اللبن الحيوان، لا كونه مأكولًا فلا بأس لو أعلمت المأكول في قوله: "ومن كل حيوان مأكول" بالواو. لأنه مذكور قيدًا في الطهارة، وكذلك قوله: "من الآدمي" للوجه الذي رويناه.
ومما يستثنى من المستحيلات إلا نَفْحَهُ في أصح الوجهين. ولم يذكر كثيرون سوى أنها طاهرة لإطباق الناس على أكل الجبن من غير إنكار.
والثاني: أنها نجسة على قياس الاستحالة فإن الإِنْفَحَةَ لبن مستحيل في جوف السَّخْلَةِ، وإنما يجري الوجهان بشرطين أحدهما أن يؤخذ مِنَ السَّخلَةِ المَذْبُوحَةِ، فإن ماتت فهي نجسة بلا خلاف، والثاني: إلا تطعم إلا اللبن وإلا فهي نجسة بلا خلاف.
قال الغزالي: وَأَمَّا المَنيُّ فَطَاهِرٌ مِنَ الآدَمِيِّ (م)، وَفِي سَائِرِ الحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ ثَلاثَةُ أَوْجُهِ يُخَصَّّصُ الطَّهَارَةَ في الثَّالِث بِالمَأْكِولِ اللَّحْمُ مِنْهَا، لأَنَّهُ يِشِبهُ بَيْضَ الطَّيْر، وَفِي بَذْرِ