تركت الخيانة، عدتَّ أميناً لِي، فخان، ثم تركَ الخيانةَ.
قال في التتمة: "لا يعودُ أميناً، بلا خلاف"؛ لأنه لا ضمانَ حينئذٍ حتَّى يسقطه، وهناك الضمانُ ثابتٌ، فيصحُّ إسقاطه، وفي هذا شيءٌ آخرُ، وهو أن الاستئمان الثانِيَ معلَّق وقد سبق الكلامُ في تعليق الوديعة.
فَرْعٌ: له شبه بما نحن فيه لو قال: "خذْ هذا وديعةً يوماً، وغير وديعة يوماً فهو وديعة أبداً ولو قال وديعة يوماً وعارية يوماً فهو وديعةٌ (1) في اليوم الأوَّل، وعاريةً في اليوم الثانِي ثم لا تعود وديعةً أبداً، حكاه القاضي الرويانيُّ عن وفاق الأصحاب (2) -رحمهم الله- في "التجربة".
المسألة الثانية: إذا خلط الوديعةَ بمالِ نفسه، وارتفع التمييزُ، ضمن، وإن خلَط بالمثل، أو الأجودِ، فعن مالك أنَّه لا يضمن، وإن خلطها بمال آخر للمالك كما لو كانتْ له دراهُم في كيس فخلط ما في أحدهما بالآخر، فيضمن أيضاً عَلَى أظهر الوجهين؛ لأنه ربما ميَّز بينهما لغَرَضٍ دعا إليه فالخلْطُ خيانة، ولو كانتْ عنده دراهمُ، فأخذ منها درهماً، فأنفقه ثم ردَّ مثله إلَى موضعه، لا يبرأ من الضمان، ولا يملكه ربُّ الوديعة إِلاَّ بالدفْعِ إليه، ثم إن كان المردُودُ لا يتميز عن الباقي، صار الكُلُّ مضموناً علَيْهِ، لخلْطِه الودَيعةَ بمالِ نفْسه، وإن كان يتميَّز، فالباقي غيرُ مضمونٍ عليه، وإن لم ينفقِ الدراهمَ المأخوذةَ، ورده بعينه، فلا يبرأ عن ضمان ذلك الدَّرْهم، ولا يصير الباقِي مضموناً عليه، إِن كان يتميَّز ذلك الدرْهَم عن غَيْرِه، وإلا فوجهان:
أحدهما: أن الجواب كذلك؛ لخَلْطِ المضمونِ بغَيْرِ المضمون.
وأصحُّهما: المنْعُ؛ لأنَّ هذا الاختلاطَ كان حاصلًا قبل الأخذِ، فعلَى هذا، لو تلفَتِ العشْرَةُ، لم يلزمْهُ إلا درْهَمٌ، لو تلف منه خمسةٌ، لم يلزمه إلا نصْفُ درهم، وقد يعبَّر عن الخلافِ بالقَوليْن؛ لأنَّ الثاني -ظاهر نصِّه في "المختصر" والأول ينسب إِلَى رواية الربيع -رحمه الله- وهذا كله فيما إذا كانَتِ الدراهمُ غير مختومةً، ولا قُفْلَ عليها، أو قلنا: إِن مجرد الفضِّ والفَتْح لا يقتضي الضمانَ، أما إذا فَرَّعنا عَلَى أنه يقتضيه، وهو الأصحُّ، فبالفَضَّ والفَتْح يضمن الجميعَ.
المسألة الثالثة: إذا أتلف بعْضَ الوديعة، ولم يكُنْ له اتصالٌ بالباقي، كأحد الثوبَيْنِ؛ فلا يضمن إِلاَّ المُتْلَفَ، وإن كان له اتصالٌ؛ كتخريق الثوب، وقَطْع طرف العَبْد، والبهيمة، نُظِرَ: إن كان عامداً، فَوَجْهَان على الكلِّ، فيضمن، وإن كان مخطئاً،