فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ حَتَّى يُصِيبَ سَدَاداً أَوْ قَوَاماً مِنْ عَيْش، ثُمَّ يُمْسِكُ" (1) فَقِيلَ: القَصْدُ مِنْ ذِكر الثلاثة الإشارةُ إلى الاستفاضة، فإنَّ أدنى الاستفاضة يقع بثلاثةٍ.
وقوله: "يؤدِّيَهَا أَو يُخْرِجَهَا" شكٌّ من الراوي، وكذلك "فاقة أو حاجة"، "وكذا يُشهد أو يتكلم"، وكذا "سداداً أو قَوَاماً"، ويشهد لما ذكرنا من اعتبار غلبة الظن ثلاثةُ أمور:
أحدها: قال بعض الأصحاب: لو أخبر عن الحال واحدٌ يقع الاعتماد عَلَى قوله، يكفي.
والثاني: قال الإمام في "النهاية" رأيتُ للأصحاب رمزاً إلى التردُّد في أنه إذا حصل الوثوق بقول من يدعي الغُرْمَ، وغلب على الظن صدْقُه، هل يجوز الاعتماد عليه.
والثالث: حكى بعض المتأخرين ما لا بدَّ من معرفته هاهنا، وهو أنه لا يعتبر في البينة في هذه الصور سماعُ القاضي، وتقدُّم الدعوى، والإمكان، والاستشهاد، بل المرادُ إخبار عدلَيْن على صفات الشهود، ثم سياق الكلام هاهنا وفي "الوسيط": "قد يوهِمَ أنَّ إلحاقَ الاستفاضةِ بالبينة مختصٌّ بالمكاتَبِ والغارِمِ، ولكن الوجّهَ تعميمُ ذلك في كل من يطالب بالبينة من الأصناف.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الثَّانِيَةُ: في قَدْرِ المُعْطَى، وَالغَارِمُ وَالمُكَاِتبُ يُعْطَيَانِ قَدْرَ دَيْنِهِما، وَالفَقِيرُ وَالمَسْكِينُ مَا يَبْلُغَانِ بِهِ (ح) أَدْنَى الْغِنَى وَهُوَ (و) كِفَايَةُ سَنَةٍ، فَإنْ كَانَ لاَ يُحْسِنُ إِلاَّ التِّجَارَةَ عَلَى ألف دِرْهَمٍ أَعْطِي لِيَشْتَغِلَ بِالكَسْبِ، وَالمُسَافِرُ يُعْطَى قَدْرَ مَا يُبَلِّغَهُ إلى المَقْصِدِ أَوْ إِلَى مَوْضِعِ مَالِهِ، وَالغازِي يُعْطَى الْفَرَسَ وَالسِّلاَحَ عَارِيَّةً أَوْ تَمْلِيكاً أَوْ وَقْفاً ممَّا وَقَفَهُ الإِمَامُ بَعْدَ أنْ اشْتَرَاهُ بَهَذَا السَّهْمِ، وَيُعْطَى مِنَ النَّفَقَةِ مَا زَادَ بِسَبَبِ السَّفَرِ، وَهَلْ يُعْطَى أَصْلَ النَّفَقَةِ؟ وَجْهَانِ، وَالمُؤَلَّفُ قَلْبُهُ يُعْطَى مَا يَرَاهُ الإِمامُ، وَالعَامِلُ يُعْطَى أَجْرَ مِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُ الصَّدَقَةَ زَائِداً عَلَى أَجْرِ المِثْلِ رُدَّ الفَضْلُ عَلَى الأَصْنَافِ، وَإِنْ كانَ نَاقِصاً كُمِّلَ مِنْ بَقِيَّةِ الزَّكَاةِ (و)، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي بَيْتِ المَالِ وَرَأى الإِمَامِ التَّكْمِيلَ مِنْهُ فَلَهُ أن يُكمِّلَ مِنْهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: مقصود المسألة بيان أن كلَّ واحد من الأصناف كمْ يعطَى؟
أما الغارِم والمكاتَبُ، فيعطيان قدر دَيْنِهِمَا، فإنْ قَدَرَا على بعض ما عليهما، أعطيا الباقي. وأما الفقير والمسكين، فيعطيان ما تزول به حاجتهما، وتحصل كفايتهما، ويختلف ذلك باختلاف الناس والنواحي، فالمحترف الذي لا يجد آلة حرفته يعطي ما يشتريها به، قلَّت قيمتها أو كثرت؛ ليكتسب، والتاجر يعطى رأس المال ليشتري به من