المسجد، أو حضر جمع في موضع، ولا يأتيهم غيرهم: فلا يبردون بالظهر.
وفيه قول آخر: أنهم يبردون بها، ولو أمكنهم المشي إلى المسجد في ركن، أو في ظل، أو كان يصلي منفردًا في بيته، فلا إبراد أيضاً. وفي وجه يستحب الإبراد، فمن قال الإبراد -في هذه الصور- احتج بإطلاق الخبر، ومن منع قال: المعنى المقتضي للإبراد دفع المشقة، والتأذي بسبب الحر، وليس في هذه الصور كبير مشقة، وهذا هو الأظهر. وهل يختص الاستحباب بالبلاد الحارة أم لا؟ فيه وجهان:
منهم من قال: لا، وبه قال الشيخ أبو محمد؛ لأن التأذي في إشراق الشمس حاصل في البلاد المعتدلة أيضاً، وهذا بخلاف النهي عن استعمال الشمس يختص بالبلاد الحارة على الظاهر؛ لأن المحذور الظني لا يتوقع مما يشمس في البلاد المعتدلة. ومنهم من قال: باختصاصه بالبلاد الحارة، وبه قال الشيخ أبو علي؛ لأن الأمر هَيِّنٌ في غيرها، وهذا أظهر وحكاه القاضي ابن كج عن نص الشافعي -رضي الله عنه-. وهل يلحق صلاة الجمعة بالظهر في لإبراد؟. فيه وجهان:
أحدهما: نعم، كالظهر في سائر الأيام.
والثاني: لا، لشدة الخطر في فواتها، فإنها إذا أخرت ربما تكاسلوا فيها، وإذا حضروا فلا بد من تقديم الخطبة، ولأن النَّاسَ يبكرون إليها فلا يتأذون بالحر، وهذا أظهر. وأما العصر والمغرب، فالأفضل أن يعجلهما في جميع الأحوال. وأما العشاء، ففيها قولان:
أظهرهما: أن تعجيلها أفضل كسائر الصلوات، لعموم الأخبار.
والثاني: أن تأخيرها أفضل ما لم يجاوز وقت الاختيار لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ" (1).
وأما الصبح، فيستحب فيها التعجيل أيضاً مطلقاً؛ لما روي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ النِّسَاءُ يَنْصَرفْنَ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُنَّ مُتَلَفِّعَات بِمُرُوطِهِنَّ لاَ يُعْرَفْنَ مِنَ الْغَلَسِ" (2). وينبغي أن يعرف مما يتعلق بنظم الكتاب سببين (3):
أحدهما: أن كلمة "عندنا" في قوله: "ثم تعجيل الصلاة أفضل عندنا" على خلاف عادة الكتاب، ثم ليس فيه كبير فائدة، فإنا إذا أطلقنا الكلام أطلقناه بما عندنا لا بما عند