فإذا اقتضى الحال الحكم بإدراك الصلاتين وجب أن يكون الأكثر في مقابلة المتبوع، والأقل في مقابلة التابع. وفائدة هذا الخلاف الأخير لا يظهر في هذه الصورة، وإنما يظهر في المغرب والعشاء، وذلك أن في لزوم المغرب بما يلزم به العشاء قولين، كما في لزوم الظهر بما يلزم به العصر، أصح القولين: أنه يلزم به.
والثاني: لا بد من زيادة على ذلك.
فإن قلنا في الصورة الأولى: الأربع في مقابلة الظهر كفى هاهنا قدر ثلاث ركعات للمغرب، زيادة على ما يلزم به العشاء، وإن قلنا إنها في مقابلة العصر وجب أن يزيد قدر أربع ركعات. وقوله في الكتاب: "حتى يتصور الفراغ من الظهر فعلاً، ثم يفرض لزوم العصر بعده". المراد منه ما قدمناه أن سورة الجمع، إنما يتحقق إذا تمت إحدى الصلاتين، وبعض الأخرى (في الوقت) وتعيين الظهر ولزوم العصر بعده (1)، كأنه مبني على أن الظهر لا بد من تقديمه عند الجمع.
قال الغزالي: وَهَل تُعْتَبَرُ مُدَّةُ الوُضُوءِ مَعَ الوَقْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ.
قال الرافعي: وهل يعتبر مع القدر المذكور للزوم الصلاة الواحدة أو صلاتي الجمع إدراك زمان الطهارة؟ فيه قولان:
أحدهما: نعم؛ لأن الصلاة إنما تمكن بعد تقديم الطهارة.
وأصحهما: لا، لأن الطهارة لا تختص بالوقت، ولا تشترط في الإلزام، وإنما تشرط في الصحة ألا ترى أن الصلاة تلزم على المحدث ويعاقب على تركها.
وإذا جمعت بين الأقوال التي حكيناها حصل عندك في القدر الذي تلزم به كل صلاة من إدراك آخر وقتها أربعة أقوال:
أصحها: قدر تكبيرة. وثانيها: هذا مع زمان طهارة. وثالثها: قدر ركعة. ورابعها: هذا مع زمان طهارة، وفيما يلزم به الظهر مع العصر؟ ثمانية أقوال، هذه الأربعة. وخامسها: قدر أربع ركعات مع تكبيرة. وسادسها: هذا مع زمان طهارة. وسابعها: قدر خمس ركعات. وثامنها: هذا مع زمان طهارة.
وفيما يلزم به العشاء مع المغرب -مع هذه الثمانية- أربعة أخرى.
أحدها: ثلاث ركعات وتكبيرة. والثاني: هذا مع زمان طهارة. والثالث: أربع ركعات. والرابع: هذا مع زمان طهارة -والله أعلم-.