والمساجِدِ، قوله في الكتاب "والمجوس لا تحل مناكحتهم" أُعْلِم بالواو، وقد ذكر هناك من يقر بالجزية من الأصناف الثلاثة، ومن لا يقر، وهذا سيعود في "كتاب الجزية" إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
قَالَ الغَزَالِيُّ: لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ نِكَاحُ كِتَابِيَّة هِيَ مِنْ أَوْلاَدِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَآمَنَ أَوَّلُ آبَائِهَا قَبْلَ التَّحْرِيفِ، فَإنْ فَقِدَ النَّسَبُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ، وَلَوْ آمَنَ آبَاؤُهَا بَعْدَ التَّحْرِيفِ أَوْ شُكَّ فِيهِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ، وَإِنْ آمَنَ بَعْدَ المَبْعَثِ أَوْ شُك فِيهِ لَمْ تُنْكَحُ، والتَّهَوُّدُ بَعْدَ بَعْثِ عِيسَى صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَهُوَ بَعْدَ مَبعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهٍ، وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ إِنْ كَانُوا مُلْحِدَة عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارِى لَمْ يُنَاكَحُوا، وإنْ كَانُوا مُبْتَدِعَةً حَلَّ نِكَاحُهُمْ، وَقِيلَ قَوْلاَنِ مُطْلَقاً.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه مسألتان:
إحداهما: في صفة الكتابية الَّتي يَنْكِحُها المسلم، الكتابية؛ إما ألاّ تكون من أولاد بني إِسرائيل، أو تكون منهم.
القسم الأول: الكتابيَّةُ التي ليست من أولاد بني إسرائيل ولها أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون من قَوْمٍ يعلم دخولهم في ذلك الدين قبل تَطَرُّقِ التحريف والنَّسْخ إليه، ففي نكاحها قولان، بَنوْهَما على أن الإِسرائيليَّاتِ يُنْكَحْنَ لفضيلتَي الدِّينِ، والنسب جميعاً، أو لفضيلة الدِّين وحدها، والأصحُّ الجوازُ؛ لتمسُّكهم بذلك الدين حين كان حقًّا، ومنهم من قطع بهذا، ولم يُثُبِت الخلاف، وهؤلاءِ يقرُّون بالجزية لا محالة، وحلُّ الذبيحة يجري مجرى المناكحة.
الحالةُ الثانية: إذا كانتُ من قومٍ يُعْلَمُ دخولَهُم في ذلك الدِّينِ بعد التحريف وقبل النسخ، فإن تمسَّكوا بالحق منه، وتجنّبوا المحرَّف، فكما في الحالة الأُولَى، وإن دخَلُوا في المحرَّف، فمنهم من قال: في نكاحها قولان أو وجهان، وجه الجواز؛ أن الصَّحَابَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- تزوَّجوا مِنْهُنَّ، ولم يبْحَثُوا (1)، وجه المنع بطلانُ الفضيلةِ