المصنف إلا أنه جعل الفرق بين أن ينتظر حضور جمع أو لا ينتظر قولاً، وأْطلق في المسألة ثلاثة أقوال، والإمام لم يروه إلا عن بعض الأصحاب، والجمهور اقتصروا على ذكر المذهب المنسوب إلى الجديد ولم يتعرضوا لخلاف، نعم حكى القول القديم في "التتمة" ولكن إذا كان المنفرد يصلي في العصر خاصة ولم يطرده في المنفرد في الصحراء. وقوله في الكتاب: (وفي المنفرد في بيته) تخصيص البيت بالذكر يمكن أن يحمل على موافقة ما رواه في "التتمة" ولكنه لم يرد ذلك بل طرد الخلاف في السفر والحضر، وفي "الوسيط". وأما الفرق بين أن يرجو حضور جمع أو لا يرجو فسنبيّن في الأذان للفائتة أنه من أين أخذ، وليكن قوله: (وإن قلنا: يؤذن فيستحب رفع الصوت) مَرْ قُوماً بالواو لما قدمناه.
ويدل على استحباب الأذان للمنفرد وعلى أن الإقامة أولى بالرعاية ما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ بأَرْضٍ فَلاَةٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلاَةٍ فَإِنْ صَلَّى بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ صَلَّى وَحْدَهُ فَإِنْ صَلَّى بِإِقَامَةٍ صَلَّى بِصَلاَتِهِ مَلَكَاهُ وإنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وإقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ أَوَّلُهُمْ بِالْمَشْرِقِ وَآخِرُهُمْ بِالْمَغْرِبِ" (1).
ويستثنى مما ذكرنا من أن المنفرد يرفع صوته بالأذان صورة وهي: ما إذا صلى في مسجد أقيمت الجماعة فيه وانصرفوا، فهاهنا لا يرفع الصوت لئلا يتوهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى سيما في يوم الغيم.
وثانيهما: كونها جماعة أولى ومهما أقيمت الجماعة في مسجد ثم حضر قوم فإن لم يكن له إمام راتب لم يكره لهم إقامة الجماعة فيه، وإن كان ففيه وجهان:
أصحهما: أنه يكره، وبه قال أبو حنيفة.
وإذا أقاموا جماعة ثانية مكروهة كانت أو غير مكروهة فهل يُسن لهم الأذان؟ حكى إمام الحرمين عن رواية صاحب "التقريب" فيه قولين:
أحدهما: لا؛ لأن كل واحد منهم مدعوّ بالأذان الأول وقد أجاب بالحضور، فصاروا كالحاضرين في الجماعة الأولى بعد الأذان.
والثاني: نعم؛ لأن الأذان الأول قد انتهى حكمه بإقامة الجماعة الأولى، لكن الأذان الثاني لا يرفع فيه الصوت كيلا يلتبس الأمر على الناس، وهذا أظهر، والأول مذهب أبي حنيفة. قال الكرخي في "مختصره"، ولا يؤذن في مسجد له إمام معروف