وأصحُّهما: المنع، وقد قطَع به بَعْضُهم (1)، لبقاء آلة الجماع، وقدْرَته عليه، ويقال: إنَّه أقدر عليه؛ لأنه لا يُنْزل، ولا يعتريه فُتورٌ، ويُنْسَب الأول إلى القديم، والثاني إلى الجْدَيد، والعُنَّة الطارئة بعد الوطء لا تُؤثِّر؛ لأن القدْرةَ قد تحقَّقت بالوطء، فيكون العجْزُ بعده لعارضٍ، والمسألةُ مكررةٌ قد ذكرها مرةً في العيوب، ولو كان تحته امرأتان مَثَلاً، فَعُنَّ عن واحدةٍ دون الأخرَى، ثَبَتَ الخيار للَّتي عُنَّ عنها؛ لفواتِ الاستمتاعِ عليها.
قَالَ الأَصْحَابُ: وقد يتَّفقُ ذلك لانحباس الشَّهْوة عن امرأةٍ معينةٍ بسبب نُفْرة عنها أو حَيَاءٍ منها وَيقْدِرُ علَى غيرها للمَيْل إليها، والأُنْسِ بها، فأما العَجْز المحقَّق لضعْفٍ في الدماغ، أو في القَلْب، أو في الكَبِد، أو لخَلَلٍ في نفس الآلة، فإنه لا يختلفُ بالنِّسْوة، وكذلك قد يُفْرَض العجْز عن المأتى، والقدرة على غير المأتى لاعتيادٍ خَبِيثٍ، فيثبت الخيار.
وَحَكَى الحَنَّاطِيُّ فيه وَجْهاً آخَرَ بعيداً ولو عجَزَ عن افتراع زوجته البكْر، وهو يأتي الثيب، فلها الخيارُ، واللهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوِ امْتَنَعَ مَعَ القُدْرَةِ فَلاَ خِيَارَ، وَلَكِنْ لَهَا المُطَالَبَةُ بِوَطْأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ لِتَقْرِيرِ المَهْرِ وَتَحْصِيلِ التَّحْصِينِ، فَإنْ عَلَّلْنَا بِالمَهْرِ كَانَتِ المُطَالَبَةُ للسَّيِّد في الأَمَةِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا بَعْدَ الإِبْرَاءِ، وَيَسْقُطُ الطَّلَبُ بِإيَلاجِ الحَشَفَةِ.
قال الرَّافِعِيُّ: والمرأة إذا اعترفت (2) بقدرته على الوطء وقالت: إنَّه يمتنعُ منه، فلا خيارَ لها، كما لا خيار للبَائِعِ، إذا امتنع المشتَرِي من تسليم الثَّمَن مع القدرة، وللمرأة إذا امتنع الزوجُ مِنَ الإِنفاقِ مَعَ القُدْرة، وهلِ للمرأة المطالبة بوطأةٍ واحدة، وهل يُجْبَرُ الزوْجُ عليها؟ فيه وَجْهَانِ:
أصحهما: لا؛ لأن الاستمتاعَ حقُّه، فلا يُجْبَر على استيفائه كسائر الوطآت.
والثاني: نعم، ورأيتُ في مجموع أبي الحَسَنُ بن القطَّان أن أَبا سَعِيدٍ ذَهَبَ إليه، وذكروا في توجيهه معنيَيْن:
أحدهما: استقرارُ المَهْر لتأمن من سقوط نصْفِه بالطَّلاق، وكلِّه بالفسخ.