والثاني: أنَّ الإعفاف أَوْلَى بالوجوب، فيجبُ في المُعْسِر الزَّمِن، وفي المعْسِر الصحيح، إن أوجبنا النفقة، فإِن لم نوجْبها، ففي الإِعفاف قولان؛ وجْه الفرق: أن النفقة إذا لم تجبْ عليه، تجب في بيت المال، فيندفع حاجته، والإِعفاف، لا يُتوقَّع من جهة أخرَى، وبهذا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ.
والثالث: أنه حيث لا تجبُ النفقة، لا يجبُ الإعفاف، وحيثُ يجبُ، ففي الإِعفاف قولان، والفرْق أن الحاجة إلى النفقة أهمُّ ولذلَك يجُوزُ للمضطَرِّ أكل طعامِ الغَيْر، ولا يُفْرَض مثل ذلك في الجِمَاع، وحيثُ وجَب الإِعْفاف استوى فيه الابن والبنت كالنفقة.
المسألة الثانية: اعتبر صاحبُ الكتاب فيمن يُعَفُّ ثلاثة قيود، وهي الأبوة، وفِقْدَان المهر، والحَاجَةُ إلى النكاح.
الأول: الأبوةُ، والمراد من يقع عليه الاسمُ بالحقيقة أو المجاز، فيدْخُل فيه الجدُّ، وإن علا، سواءٌ كان من قبل الأب أو من قبل الأم، وفي وجوب إعفاف الأب الكافر، وجهان:
أشبههما: الوجوب.
فإذا اجتمع أصلان محتاجَانِ، فإن وَفَّى مال الولد بإعفافهما جميعاً، وجب، وإن لم يَفِ، فيُنظر؛ إن اختلفا في الدرجة، فالأقربُ أولَى، إذا استويا في العصوبة أو عدمها.
مثالُه: الأب أولَى من أب الأب، وأبو الأم أولَى من أبي أبي الأم، وأبِي أمِّ الأمِّ، وإن كان للأبعد عصوبة دون الأقرب؛ وكأبي أبي الأب مع أبي الأم، فالأول أولَى، وحكى الشيخ أبو عليٍّ؛ أنهما سواءٌ؛ لتعارض المعنَيَيْن، وإن لم يكن لواحدٍ عصوبةٌ كأبي أم الأب، وأبي أبي الأمِّ، فهما سواءٌ، وحيث حكمنا بالاستواء، فلا تقسم مؤنة الإِعفاف عليهما، ولكن يخصَّص أحدهما به، وفي طريقته وجهان:
أقربهما: يحُكْم القرعة (1).
ولو اجتمع عدَدٌ ممن يجب عليهم الإِعفافُ، كالأولاد والأحفاد، فليكن الحكُم عَلى ما سيأتي في النفقة.
القيد الثاني: فِقْدَان المهْر، فالغَنِيُّ القادرُ علَى إعفاف نفْسِه بماله، لا يجب على الولَدِ إعْفَافُهُ، وكذا الكسوب الذي يستغنى بكَسْبه عن غيره، ذكرها شيخ أبو عليٍّ،