وذكر القاضي أبو الطيِّب، أنه يجب.
قال ابنُ الصَّبَّاغ: وهذا أصحُّ؛ لأن التسليم الذي يتمكَّن معه من الوطْء قد حَصَل، وليس كالنفقة، فإنَّهاَ لا تجب بتسليم واحدٍ.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَأَمَّا المَهْرُ فَإنَّما يَجِبُ للسَّيِّدِ، فَلَوْ قَتَلَهَا السَّيِّدُ قَبلَ المَسِيسِ فَالنَّصُّ سُقُوطُ المَهْرِ، وَلَوْ قَتَلَهَا أَجْنَبِيُّ أَوْ قَتَلَتِ الحُرَّةُ نَفْسَهَا فَفِي السُّقُوطِ وَجْهَانِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَن المَهْرُ لاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِ الحُرَّةِ وَالأَمَةِ وَلاَ بِقَتْلِ الأجْنَبِيِّ الحُرَّةَ، وَإِذا بَاعَ الأَمَةَ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ وَيسَلَّمُ الْمَهْرُ لِلبَائِعِ لأَنَّهُ وَجَبَ بِالعَقْدِ فِي مِلْكِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا لأَجْلِ سَوْقِ الصَّدَاقِ، وَلاَ لِلمُشْتَرِي أَيْضاً ذَلِكَ فَإنَّهُ لاَ مَهْرَ لَهَا، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فلاَ مَهْرَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فيه ثلاثُ مسائلَ تتعلَّق بمَهْر الأَمَةِ المنكوحَةِ:
المسألة الأُولَى: لا شكَّ أن هلاك المنكوحَةِ بعْد الدخول حرَّة كانت أو أمة، لا يسقط المهر، ولا شيئاً منه، سواءٌ هلَكَت بالموت أو بالقَتْل، وإنْ هلكَتْ قبل الدُّخول، فينظر، إن حصل الهلاكُ بفعْلِ مستحِقِّ المهر أولاً بهذا الطريق.
أما القسم الأول: فإذا قتل السيد أمته، فالنصُّ في "المختصر" أنه لا مَهْر، وعن نصِّه في "الأم" أن الحرة إذا قتلت نفْسَها، لا يسقط شيء من المَهْر، وللأصحاب فيه طريقان:
أشهرهما: أن المسألة على قولَيْن بالنقل والتخْريج، وبه قال ابن سُرَيْج:
أحدهما: يسقط المهر في الصورتَيْن؛ لانقطاع النكاح قبل الدخُول من قِبَلِ مستحِقِّ المهر، فأشبه الردَّةَ قبل الدخول.
والثاني: لا يسقط؛ لأنها فرقةٌ حصَلَتْ بانتهاء العُمر، فكانت كالمَوْت.
والطريقة الثانية: تقرير النَّصَّينِ، والفَرْق أن الْحُرَّةَ كَالْمُسْلِمَةِ إلى الزوج بالعَقْد؛ أَلاَ تَرَى أنَّ له أن يمْنَعَها من المسافرة، والأمة لا تصير مسلمةً بالعقد بدليلِ أن للسَّيد أن يسافر بها، ولا يستقرَّ مهْرُها إلا بالدُّخول، وأيضاً، فإنَّ المقصود الأصليَّ من نكاح الأمة الاستمتاعُ، ولهذا لا يجوزُ إلا عنْد الحاجة، وفي نكاحِ الحُرَّة المقصودُ الوصلةُ، وتشابكُ العشائر، وأيضاً، فإن الحرةَ إذا قتلَتْ نفْسَها غَنِمَ زَوْجُهَا مِيرَاثَهَا، فجاز أن يغرم مهرها، وفي قتل الأمة لا ميراثَ له، وعلى الطريقة الأولَى قولُ وجوب المهرِ فيما إذا قتل السيد أمته مخرج ومنْهم من حكاه عن النصِّ أيضاً، وإذا قلْنا بسقوط المهرْ فيما إذا قتلها السيد، فلو قتلت هي نفْسَها، فالحُكمُ كذلك، وإن لم تكن مستحقَّةً للمهر، فإن المهْرَ يسقط بُضْعَها، كما لو ارتدَّت قبل الدخول،