تنكحي زَيْداً، فقبِلَتْ، ففي وجوب القيمة وجهانِ أيضاً حكاهما الحَنَّاطِيُّ، ثم في الفصْل وراء ما شرَحْناه مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأولى: لو قالتِ السيدةُ لعبْدِها: أعتقْتُكَ على أن تَنْكِحَنِي، ففي افتقار العِتْق إِلى القبول وجْهَان:
أحدهما: الافتقار، كما إذا قاله السيد لأمته؛ وهذا لأن المرأة قَدْ تقصِد نكاح رجل بعينه، وتبذل عليه المال، كما يقْصِد الرجل نكاحَ امرأةٍ بعينها، ويبذُل عليها المال، وَعَلَى هَذَا؛ فَإِذَا قَبِلَ، عَتَقَ، ولزمه قيمته، ولا يلزمه الوفاء.
وَأَصَحُّهُمَا: أنه يعتق من غير قبول، ولا شيء عليه؛ لأنَّها لم تشترطْ عليه عوضاً، وإنما وعدَّتْه وعداً جميلاً، وهو أن تصير زوجَتَه، فصار كما لو قال لعبْدِه؛ أعتقتُكَ عَلَى أن أعطيك ألْفاً، ولزوجته طلَّقتُكِ عَلَى أن أعطيك كذا، ينْفُذ العتق. والطلاق من غير قَبُول وليس كما لو قال لأمته: أعتقتُكِ على أن تنكحيني، فإنَّ بضْعَ المرأة يتقوَّم شرعاً مقابلَ بالمال، ونكاحُ الرجل ليس متقوماً على المرأة، ولا عبرة بقول الأول: إن المرأة قد تقصُد نكاح رجل بعينه، فإن ذلك، وإن كان يتَّفِق في العُرْف لا يصلح عوضاً في الشرع، كما لو قال: طلقتكِ على ألا تحتجبي عني، فإنَّه لا يكُون عوضاً، حَتَّى يَقَعَ الطَّلاَقُ من غير قَبُول، وإن كان يقْصِده بعْض الناس في العرف.
المسألة الثانية: إذا لم يَأْمَنِ السيد وفاءها بالنكاح، ولم يُرِد العتق، إن لم تنكحْه، فَهَلْ لذلك من طريقٍ يَثِقُ به فيه وجهان:
أحدهما: نعم، قال ابن خيران: وطريقُهُ أن يقول: إنْ كان في علْمِ الله أنِّي أنكِحُكِ أو تنكحيني بعد عِتْقِكِ، فأنتِ حرةٌ، فإن رغبتُ، وجرى النكاحُ بينهما، عَتَقَت، وحصَل غرَضُ السيد، وإلا، استمر الرقُّ، ونسب الإِمام هذا الوجه إلَى صاحب "التقريب" وعبارته في هذا التعليق: إن يسَّر الله عَزَّ وَجَلَّ -بَيْنَنَا نكاحاً فأنْتِ حرةٌ قبله بيوم، فإذا مضَى يومٌ ونكحتْه انعقد النكاح، وتبين حصول العتق قبله بيوم، وذكر اليوم جَرى على سبيل التمثيل والإِيضاح، ويكفي أن يقول: فأنْتِ حرة قبله، كما ذكره في الكتاب، ولفظ الصحيح في قوله "إن يسَّر الله بيننا نكاحاً صَحِيحاً" لا حَاجَةَ إليه، فإنَّ لفظ البيع والنكاح والعتق وسائر العقود يختصُّ بالصحيح منها على الظاهر، كما سيأتي في "باب الأيمان".
والثاني: وبه قال الأكثرون من الأصحاب: لا يصحّ النِّكَاحُ في هذه الصورة، ولا يحْصُل العتْق؛ لأنه في حالة النكاح شاكٌّ في أنها حرةٌ أو أمةٌ، كما إذا قال لأمته: إنْ دخلْتِ الدار، فأنتِ حرةٌ قبله بشهر، وأراد أن ينْكِحَها في الحال لا يصح.