وهذا التوجيه يليق بمن يزعم اختصاص القولين بالتراب، لكن الطريقة الصحيحة طرد القولين في الجَصِّ، وَالنُّورَةِ التي لم تُطْبَخْ، وغير ذلك مما لا يكون الوصف المتغير من الماء غالبًا عليه. هذا فقه الفصل.
ثم نتكلم فيما يتعلق بألفاظ الكتاب من الفوائد:
أما قوله: "والقليل منه ينجس بملاقاة النجاسة وإن لم يتغير" يدخل فيه النجاسة المُجَاوِرَةُ، وَالمُخَالِطَةُ، ولا يدخل فيه: ما إذا تَرَوَّحَ الماء بِجيفَةٍ مُلْقَاةٍ على شَطِّ النهر، لأنه لا ملاقاة. واعلم أنه ليس المراد تأثر الماء القليل بملاقاة كل نجاسة فإن من النجاسات ما لا يؤثر فيه كميتة ما لا نفس له سائلة على الجديد كما سبق، والنجاسة التي لا يدركها الطرف، وكما إذا وَلَغَتِ الهِرَّةُ بعد نجاسة فمها في ماء قليل، وفيها خلاف سيأتي، وإنما الغرض بيان كيفية التأثر، وأن التغير غير معتبر فيه، وأما أن النجاسة المؤثرة أية نجاسة، فذلك شيء آخر.
وأما قوله: "والكثير لا ينجس إلا إذا تغير تغيراً يسيراً"، هكذا في أكثر النُّسَخ، ورأيت في بعضها طرح قوله: "تَغَيُّراً يَسِيراً"؛ لأنه يوهم التقييد باليسير ومتى كان التغير (1) اليسير قَادِحاً فالفاحش أولى أن يكون قادحاً، فيستحيل التقيد باليسير، فإن طرح فذاك. وقوله "إلا إذا تغير"، يشمل اليسير والفاحش، وإن لم يطرح فالمراد إلا إذا تغير وإن كان تغيُّراً يسيراً، لا كالتغير بالطاهرات فإنه إنما يَسْلُبُ الطهورية إذا تَفَاحَشَ، ثم ننبه لأمور:
أحدها: قوله: "والكثير لا ينجس إلا إذا تغير" لا يمكن العمل بظاهره؛ لأنه يقتضي أن لا ينجس إذا لم يتغير أصلاً؛ وليس كذلك لما ذكرنا أنه لو لم يتغير للموافقة في الأوصاف تعذر كونه مخالفاً، فان كان بحيث تغير لو كان مخالفاً فالماء نجس وإن لم يتغير، فإذاً اللفظ محتاج إلى التَّأوِيلِ.
الثاني: قوله: "إلا إذا تَغَيَّر" يعم التغير بالنجاسة المخالطة والمجاورة، والنوعان يسلبان الطهارة على ظاهر المذهب، وفي وجه: التغير بالنجاسة المجاورة لا يسلب الطهارة كما أن التغير بالطاهر المجاور لا يسلب الطهورية، فلو علم قوله: "إلا إذا تغير" بالواو إشارة إلى هذا الوجه لم يكن ممتنعاً.
الثالث: قضية اللفظ أنه لا ينجس إلا إذا تغير كله، أما إذا تغير بعضه فلا؛ لأن قوله: "إذا تغير" صفة الكثير، وذلك يتناول الكل، ألا ترى أنه إذا تغير البعض يصح أن