والثاني: ويحكى عن القفال: لا، وإذا كان في البلد مساجد: فإن لم يمكن جمع الناس في مسجد واحد رزق عدداً من المؤذنين تحصل بهم الكفاية ويتأدى الشعار، وإن أمكن فوجهان.
أحدهما: يجمع ويقتصر على رزق واحد نظراً لبيت المال.
والثاني: يرزق الكل حتى لا تتعطل المساجد ولو لم يكن في بيت المال سعة بدأ بالأهم وهو رزق مؤذن الجامع، وأذان صلاة الجمعة أهم من غيره، وكما يجوز الرزق من بيت المال يجوز للإمام أن يرزق من مال نفسه، وكذلك للواحد من الرعايا وحينئذ لا حجر، يرزق كما شاء ومتى شاء.
وأما الطريق الثاني: وهو أن يستأجر على الأذان ويعطي أجرة عليه فهل يجوز ذلك؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمد: أنه لا يجوز، لأنه عمل يعود نفعه إلى الأجير، فلا يصح الاستئجار عليه كالاستئجار على القضاء لا يجوز وإن جاز أن يرزق القاضي من بيت المال، وهذا اختيار الشيخ أبي حامد، ويقال: إن ابن المنذر نقله عن الشافعي -رضي الله عنه-.
وأصحهما: أنه يجوز، وبه قال مالك؛ لأنه عمل معلوم يجوز أخذ الرزق عليه، فيجوز أخذ الأجرة عليه ككتبة المصاحف، وعلى هذا فهل يختص الجواز بالإمام أم يجوز لكل واحد؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يختص بالإمام، أو من أذن له الإمام؛ لأنه من الشعائر والمصالح العامة، والإمام هو القوام بها فيصرف مال بيت المال إلى هذه الجهة.
وأظهرهما: إنه يجوز لآحاد الناس من أهل المحلفة وغيرهم الاستئجار عليه من مالهم، كالاستئجار على الحج، وتعليم القرآن، ويحصل من هذا الترتيب ثلاثة أوجه:
المنع المطلق، والجواز المطلق والفرق بين الإمام وغيره، وقد ذكرها المصنف جميعاً في باب "الإجارة" من الكتاب وإن لم يذكر في الإمام خلافاً في هذا الموضع، فلو أعلمت قوله: "وللإمام أن يستأجر" بالواو مع الحاء والألف لكان صحيحاً، والمذكور في الإجارة يشتمل على القدر المذكور هاهنا مع زيادة، فلو طرحه لما ضر، وإذا فرعنا على جواز الاستئجار فإنما يجوز للإمام الاستئجار من بيت المال حيث يجوز له الرزق منه خلافاً ووفاقاً، وذكر في "التهذيب" أنه لا يحتاج إلى بيان المدة إذا استأجر من بيت المال؛ بل يكفي أن يقول: استأجرتك لتؤذن في هذا المسجد في أوقات الصلاة كل شهر بكذا، وإن استأجر من مال نفسه أو استأجر واحد من عرض الناس ففي