صَوَّرَ صُورَة عُذِّبَ وَكُلِّفَ أنْ يَنْفَخَ الرَّوحَ فِيهَا وَلَيْسَ بِنَافِخٍ وأتاه رَجُلٌ مصَوِّرْ، فقال: ما أعرف صَنْعَةً غيرها، قال ابن عباس -رضي الله عنه-: "إن لم يَكُنْ لك بُدٌّ، فَصَوِّرِ الأشجار وما لأنفس له" (1) وفي "شَرْحِ الجُوَيْنِيِّ" وجه أن صُوَرَ الأَشْجَارِ مَكْرُوهَةٌ؛ لأن منهم من كان يَعْبُدُ الأشْجَارَ أيضاً، وإذا كانت صُوَرُ الحيوانات مَقْطُوعَةَ الرؤوس فلا بَأْسَ على الظَّاهِرِ، وسَوَّى في "التتمة" بين أن يكون لها رؤوس، وبين ألاَّ يكون.
ودخول البَيْتِ الذي فيه الصُّوَرُ المَمْنُوعُ منها حَرَامٌ، أو مكروه؟ فيه وجهان:
أحدهما: التحريم، وبه كان يجيب الشَّيْخُ أبو محمد، ونَظْمُ الكتاب يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ، وَرَجَّحَ الإِمَامُ الكَرَاهِيَةَ، وتابعه صاحب الكتاب في "الوسيط"، ويحكى ذلك عن صاحب "التقريب" والصَّيدَلاَنِيِّ.
ولو كانت الصُّوَرُ في المَمَرِّ، دون موضع الجُلُوسِ، فلا بَأْسَ في الدخول والجُلُوس، ولا يترك إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ بهذا السبب، وكذلك لا بَأْسَ بدُخُولِ الحَمَّامِ الذي على بابه تَصَاوِيرُ. هكذا ذَكَرُوهُ، ويمكن أن يكون السبب فيه أَن الصُّوَرَ في الممر مَهَانَةٌ، وفي المجلس مَكْرُمَةٌ، وفَرْقٌ بينهما، كما فرق بين أن تكون على الأرض، أو على الجِدَارِ وهذا يَجُرّ إلى تَجّوِيزِ التَّصْوِيرِ في المَمَرِّ.
ويحرم على المُصَوِّرِ التَّصْوِيرُ على الحِيطَانِ، والسقوف، ولا يستحق بها أُجْرَةً.
وفي نسج الثِّيَابِ الصورة وجهان:
أحدهما: للتَّجْوِيزُ، وإليه ذهب الشَّيْخُ أبو محمد؛ لأنها قد لا تلبس.
والثاني: المَنْعُ، ورَجَّحَهُ الإِمام، وصاحب الكتاب في "الوسيط" تَمَسُّكاً بما ورد في الخَبَرِ من "لعن المُصَوِّرِينَ" (2)، وطرد في "التتمة" الوجهين في التَّصْوِيرِ على الأرْضِ، ونحوها وكأن من ذَهَبَ إلى المَنْعِ قال: ليس له أن يُصَوِّرَ، لكن إن اتَّفَقَ يُسَامَحُ، ولا يُبْطَل ما صَوَّرَهُ.
وقوله في الكتاب: "إلا في ثياب الفُرُشِ" يُشْبِهُ أن يريد به الثِّيَابَ الصَّالِحَةَ للفُرُشِ، وأما ما لا يَصْلُحُ إلا للُّبْسِ، فاتِّخَاذُهُ كاتِّخَاذِا آلاَتِ المَلاَهِي.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلاَ يَتْرُكُ إِجَابَةَ الدَّعْوَةِ بِعُذْرِ الصَّوْمِ بَلْ يَحْضرُ وَيُمْسِكُ في الفَرْضِ وَيُفْطِرُ في النَّفْل إِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى الدَّاعِي إِمْسَاكُهُ، وإذَا دُعِيَ جَمْعٌ سَقَطَ الفَرْضُ بِإِجَابَةِ بَعْضِهِمْ.