وكراهةً وعُبُوساً بعْد ما عهد التَّلَطُّفَ وطلاقَةَ الوَجْه، ففِي هَذه المَرْتَبَة لا يَهْجُرُها, ولا يضربُهَا بل يقتصر على الوَعْظِ فلعلَّها تُبْدِي عُذْراً أو تَتُوب عمَّا جرى من غير عُذْر.
والثَّانِيَةُ: أنْ يَتَحَقَّق منْها النُّشُوز، ولكنَّه لا يَتَكَرَّر ولا يَظْهَرُ إصْرَارُهَا عَلَيْهِ فله الوَعْظُ .. والمهاجرة في المَضْجَع وفي الضرب قَوْلاَن:
أحدهما: ويُحْكَى عن نصه في "الأُمِّ" وبِهِ قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله: لا يجوز؛ لأن الجناية لم تتأكدْ، وقد يكون ما جرى لعارض (1) قريب الزوالِ، لا يحتاج إلى التأديب بالإِيلام والتشديد.
والثاني: أن له الضَّرْبَ لحُصُولِ النشوز، كما لو أصرف علَيْه، وميل ابن الصباغ إلى الثَّانِي وساعده الشَّيْخ أبو إسْحَاق الشِّيَرَازِيُّ، ورجَّح الشَّيْخ أبو حامد والمحاملي الأوَّلَ فمن قَالَ بالأَوَّل جَعَلَ في الآية احْتمالَيْنِ، وقال: المعنى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} النساء: 34 فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع، فإن أصررن، فاضربوهن، ومَنْ قال بالثَّاني قال: الخوْفُ بمعنى العِلْم كقوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا} البقرة: 182 وإذا عَلِمَ النُّشُوزَ حَلَّ له الوعْظُ والمهاجرةُ والضَّرْب جميعاً، فأَوَّلَ الخَوْفَ، واسْتَغْنَى عن الإِضمار.
والثالثةُ: أن يحصل التَّكْرَار والإِصْرَار فلَهُ مع الوَعْظ والهجران الضَّرْب بلا خِلاَفٍ، هذه هي الطريقة المعتدة في المراتب الثلاث، وعليها الاعتماد، ونقل القاضي ابن كج أنَّه إن ظهر النشوز، فللزوج الوَعْظ والهجران والضَّرْب يجمع بينهما، ويفرق على بحسب اجتهاده، كما يجتهد للحاكم في التعزيرات فإن خاف النشوز فَقَوْلاَنِ:
أحدهما: أن الجواب كذلك لظاهر الآية.
والثاني: أنه لا يزيد على الوَعْظ، ولم يتعرَّضْ للفرق بَيْن الإِصْرَار وعَدَمِهِ ونَقَل الحناطِيُّ نَحْواً منْه في حالَةِ الخَوْف وفي حَالَة ظُهُور النُّشُوز ثَلاَثَة أقوال:
أحدها: أنَّ له الجَمْع بين الوَعْظ والهَجْر والضَّرْب.
والثاني: يخير بينها ولا يجمع.
والثالث: أن الأمر على الترتيب، فيعظ أوَّلاً، فإنْ لم تَتَّعِظْ هَجَرَهَا، فإن لم تَنْزَجِزْ ضَرَبَهَا، وحَكَى صَاحب الكتاب في "الوسيط" الخِلاَفَ في الجَمْع والترتيب، عند حُصُولِ النُّشُوزِ قال: والصحيحُ أنَّه إن غَلَبَ على ظَنِّه أنَّها تنزجر بالوعظ والمهاجرة لاَ يَجُوز له ضرب وإن علم أنَّها تنزجر فله الضرب أي ابتداء وحاصله تفصيل في وجوب الترتيب.