لتملك البُضْع فلا يملك الزوج ولايةَ الرجوع إلَيْه، كما أن الزوج إذا بذل المال صداقاً؛ لِتمْلِكَ البُضْع، لا يكون للمرأة ولايةُ الرجوع إلى البُضْع، ولو قال لامرأته، خالعتك، أو طلقتك بدينار، على أن لي عليك الرَّجْعَةَ، فقد نقل المزني والرَّبِيعُ أنَّه يقع الطلاق رجعيَّا، ويسقط المال، وخرَّج المزني، ونقل الربيع قولاً؛ أنَّه يلغو شرط الرجعة، وتحصل البينونة بمهر المثل، وللأصْحَاب في المسألة طريقان:
أحدهما: -وبه قال ابن سلمة وابن الوكيل-: تسليمُ القولين، ووجْه الأول: أن شرط المال، وشرط الرجعة متنافيان، فيتساقطان، ويبقى مجرَّد الطلاق، وقضية ثبوت الرجعة أيضاً، والطلاق واقع لا محالَةَ، وإثبات أحد المشروطين لا بُدَّ منه، والرجعة أوْلَى بالثبوت؛ فإنها أقوى من حيث إنَّهَا تثْبُتُ بالشرع، والمال إنما يثبت بالشرط والإِلزام.
ووجه الثاني: القياس على ما إذا خالَعَها بشرط أن لا عدَّة عليها, ولا نفقة لها، وهي حامل؛ فإنه يفسد الشرط، وتحصل البينونةُ بمهر المثل.
والطريق الثاني: -ويحكى عن ابن سريج وأبي إسحاق -رحمهما الله- القطْعُ بما اتفق عليه روايتا المذهب، والامتناع (1) من إثبات الثاني قوْلاً، وطريقة القولين هي التي أوردها الإِمام وصاحب "التهذيب" -رحمهما الله-، ورجَّحا حصول البينونة بمهر المثل، وهو اختيار المُزَنِيِّ، ومعظم النَّقَلة -رحمهم الله- يشيرون (2) إلى ترجيح الطريقة الثانية، وتابعهم القاضي الرُّوياني، عنْد أبي حنيفة وأحمد -رحمهم الله- يصحُّ الخُلْع، ويثبت المسمى، وهذا خلاف القولين جميعاً ويروى عن مالك مثْلُ ذلك وعنْه رواية أخرى، أنَّه: تثبت الرجعة والمال معاً، فيكون المال عِوَضاً عمَّا نقص من عدد الطلاق، فاحتج المزنيُّ للقول الذي اختاره بأن الشَّافعي -رضي الله عنه- نصَّ فيما إذا خالعها بمائة دينارٍ على أنَّه متى شاء ردَّ المائة، وكان له الرجعةُ أنَّه يفْسُدُ الشرط، وتحصل البينونة بمهر المثل، وذكر الأصحاب في هذه الصورة طريقين:
أحدهما: أن القولين في الصورة السابقة يجريان فيها، وهذا كلام من أثْبَت قولين هناك، ومن مثبتي القولين هناك من وَلَدهما من نَصّه هاهنا، ونصّه المتفق عليه هناك، بالنقل والتخريج، ومنهم من جَزَم بالمنصوص، وفرق بأنه رَضِيَ بسقوط الرجعة في هذه الصورة، والرجعةُ إذا سقَطَتْ لا تعُود، وهناك لم يرض بالسقوط، وليعلَّم لما ذكرناه قوله في الكتاب "فهو طَلاَقٌ رجعيٌّ" بالحاء والألف وقَوْلَه: "وَسَقَطَ الدِّينَارُ بِهِمَا" وبالميم.
وقولَهُ: "على قول وفي القول الثاني"، بالواو؛ ولطريقة القطع، وقولَهُ "فسد شرط الرجعة"، بالميم، وقوله:"عَلَى مَهْرِ المِثْلِ" بالحاء والألف، والله أعلم.