وهذا عادة أهل اللسان: فإذاً جملة القُلَّتَيْنِ خَمْسُ قِرَب واختلفوا في تقدير ذلك بالوزن على ثلاثة أوجه:
أحدها: ذهب أبو عبد الله الزبيري -رحمة الله عليه- إلى القلتين ثلاثمائة مَنٍّ (1) , لأن القلة ما يقله البعير، ولا يُقِل الواحد من بعران العرب .. غالباً أكثر من وسق، الوَسْقُ سِتُّونَ (2) صاعاً، وذلك مائة وستون مَنّاً، فالقلتان ثلاثمائة وعشرون يحط منها عشرون للظروف والحبال، يبقى ثلاثمائة وهذا اختيار القَفَّال، والأشبه عند صاحب الكتاب (3).
والثاني: أن القلتين أَلْفُ رَطلٍ؛ لأن القربة قد تسع مائتي رطل، فالاحتياط الأخذ بالأكثر، ويحكى هذا عن أبي زيد.
والثالث: هو المذهب أن القلتين خمسمائة رطل مائتان وخمسون مَنّاً بالبغدادي؛
لأِن القِرْبَةَ الوَاحِدَةَ لا تزيد على مائة رطل في الغالب ويحكى هذا عن نص الشافعي -رضي الله عنه- ثم ذلك معتبر بالتقريب أم بالتحديد؟ فيه وجهان:
أصحهما: وهو الذي ذكره في الكتاب: أنه معتبر بالتقريب؛ لأن ابن جريج رد القُلَّة إلى القرب تقريباً، والشافعي -رضي الله عنه- حمل الشيء على النصف احتياطاً وتقريباً، وَالقِلاَلُ في الأصل تكون متفاوتة أيضاً كما نعهده اليَوْمَ في الحبَابِ وَالكِيزَانِ.
والثاني: أنه معتبر بالتحديد كَنِصَابِ المشرفة (4) ونحو ذلك. فإن قلنا: بهذا، لم نسامح بنقصان شيء. وإن قلنا بالأول فنسامح بالقدر الذي لا يتبين بنقصانه تفاوت في التغير بالقدر المعين من الأشياء المغيرة، وعند أبي حنيفة وأصحابه لا اعتبار بالقِلاَلِ، وإنما الكثير هو الذي إذا حرك جانب منه لم يتحرك الثاني. هذه رواية ولهمَ رِوَايَاتٌ سِوَاهَا (5).
قال الغزالي: فُرُوعٌ خَمْسَةٌ: الأَوَّلُ- مَا لاَ يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مِنَ النَّجَاسَةِ اضْطَرَبَ فِيهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ الله عَنْهُ، وَالأَقْرَبُ أَنَّ مَا انْتهَت قُلَّتُهُ إِلَى حدٍّ لاَ يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ مَعَ