ولو قال: طَلِّقِي نفْسَك، فقالت سَرَّحْت نفْسي، وقع الطلاق بلا خلاف؛
لاشتراكهما في الصرائح.
ويجُوز أن يُعلَّم قولُهُ في الكتاب، "ولَوْ قَالَ: طلِّقِي نَفْسَكِ فقَالَت: أبَنْتُ، ونَوَتْ وَقَع" بالحاء؛ لأنَّ الحكاية عَنْ أبي حنيفة -رحمه الله- إذا فوَّض بالصريح لم يقع الطلاق منْها بالكناية، بخلاف ما إذا فوَّض بالكناية، فطُلِّقَت بالصريح، وَوُجِّه ذلك أن الكنايات عنْده بوائن، فالعدول من الصريح إلى الكناية مخالفةٌ فيما يضره؛ لامتناع المراجعة، والرجوع من الكناية إلى الصريح مخالفةٌ فيما ينْفَعه.
ولو قال لزوجته اخْتَاري نفْسَك، ونوى تفويض الطلاق، فقالَتْ: اختَرْتُ نفسي أو اخترت ونوت وقعت طلقة، ولو قال اختاري ولم يقل نفسك ونوى تفويض الطلاق فقالت اخترت ففي "التهذيب" أنه لا يقع حتى تقول: اخترت نفسِي، وأَشْعَرَ كلامه بأنه لا يقع وإن نوت، وكان السَّبب فيه أن ليس في كلامه؛ ولا في كلام الزوج ما يُشْعِر بالفراق، بخلاف ما إذا قال: اخْتَاري نفْسَك، فإن له إشعاراً بالفراق، فانْصَرَف كلامها إلَيْه.
وقال إسماعيل البوشنجي -رحمه الله-: إذا قالت: اخترت، ثم قالَتْ بَعْد ذلك: أردت اخْتَرْتُ نَفسِي، وكذَّبها الزوج، يُقْبَل قولُها، ويُقْتَضى بوقوع الطَّلاق خلافاً لأبي حنيفة -رحمه الله- ولَوْ أنَّها قالت في الجواب: اخترتُ نَفْسيِ، ونَوَتْ، وقَعَت طلقة، كما لو أتيا كناية أخرى، وتكون رجعيَّةٌ إن كانت محَلّ الرجعة.
وقال أبو حنيفة -رحمه الله- تكُون بائنةً؛ بنَاءً على أن الكنايات بوائن، ولْيعلَّم قولُه في الكتاب "طُلِّقَتْ رجعيَّة" بالحاء لذلك ويجوز أن يُعلَّم بالميم أيضاً, لأن عند مالك يقع ثلاَثُ طلقات، إن كانَت المرأة مدْخولاً بها، وإن لم يكن مدخولاً بها، يقَع ما نوت من واحِدَة إلى ثَلاَث، ولو قالَتِ: اخترت زَوْجي، أو اخترت النِّكَاح، لم يقَعْ شيْء، وإن قالَت: اخترت الأزواج، وقَعَتْ طلقة؛ لأنَّها لا تَصْلُح للأزواج إلا بمفارقته، وعن أبي إسحاق أنَّه لا يقَع شيْء؛ لأن الزوج من الأزواج؛ فصار كما إذا قالَت: اخترْتُك، وإن قالت: اخترت أبَوَيَّ، فوجهان منقولان في "التهذيب":
أحدهما: أنَّه لا يقع الطلاق؛ لأن اختيار الأبوَيْن لا يقتضي فراق الزواج.
وأظهرهما، وبه أجَابَ البوشنجي -رحمه الله- الوقوع لإِشعاره باللحوق بهما، والرجوع إلَيْهما، وصار كَمَا إذا قال الزوج: ألْحَقِي بأهْلك، ونوى، وقالَت اخترتُ أخي أو عَمِّي، فعلى هذا القياس، قال البوشنجي، ولَوْ كانَ قَدْ قال: اختاري نَفْسَك، فاختارت واحد من هؤلاء، ففِيهِ احتمالٌ، والأظهر أنَّه يقَع الطلاق أيضاً وقربه ممَّا إذا قال طَلِّقِي نفْسَكِ فقالت: طلقتك، ونَوَت يقع الطلاق، وإذا جَرَى التفويضُ بكناية من الكنايات، والتطليق فيها كذلك أو جرى أحدهما بالكناية، فتنازعا في النية، فالقول قول