وأنَّه لو قَال لها: اختاري اليَوْمَ وغداً وبعد غد، فالمضاف إلى الزَّمَان المستقبل ينبغي أن يَكُون على الخِلاَف في أن التفويضَ تمْلِيك أو توكيل، إن جعلْناه تمليكاً، لم يَحْتَمل التراخي فيه، كما في البيع، وإن جعلْنَاه توكيلاً، فهو كما لو وَكَّل إنْساناً بالبيع في اليوم والغد وبعد الغد، وعلى هَذَا، فَلَها الرَّدُّ في بعض الأيام دون بعض.
قَالَ الغَزَالِيُّ: (الثَّانِي): إِذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ وَنَوى ثَلاَثاً فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَلَمْ تَنْوِ العَدَدَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: يَقَعُ الثَّلاَثُ وإِنَّ نِيَّتَهُ تُغْنِي عَنْ نِيَّتها في العَدَدِ وَإِنْ لَمْ تُغْنِ في أَصْلِ الطَّلاَقِ، وَهَذَا يَظْهَرُ إِذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلاَثاً فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَلاَ يَتَّجِهُ إِذَا لَمْ يتَلَفَّظْ بِالثَلاَثِ (الثَّالِثُ): لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلاَثاً فقالَتْ: طَلَّقْتُ وَاحِدَةً طُلَّقَتْ وَاحِدَةً, وَلَوْ قَالَ: طَلِّقِي وَاحِدَةً وَطَلَّقَتْ ثَلاَثاً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذا قال: طَلِّقِي نفْسَكِ، ونوى الثَّلاث، فقالت: طلقْتُ نَفْسي، ونوت الثلاث وقع الثلاث؛ لأنَّه يحتمل العدد كما سَيأْتِي، فإذا نَوَيَا وقَع، وإن لم تنوِ هي العدد فوجهان:
أصحُّهما: أنَّه لا تقع إلاَّ واحدة؛ لأنَّ صرائح الطَّلاق كنايةٌ في العدد، كما أن البَيْنُونَة بالحرية كناية في أصْل الطلاق، ولو قال: أبيني نفْسَكِ، ونوى فقالت: أبَنْتُ، ولم تنوِ، لم يقع الطلاق، وكذلك لا يَقَع العدد.
والثاني: تقع الثلاث، وتغني نيته في العَدَد عن نيتها، وإن لم تُغْنِ في أصل الطلاق؛ لأن البِنَاء في أصْل العَدَد أقْرب من البناء في أصل الطَّلاق، وكأنه فوَّض إليها أصْل الطلاق، وتولى بنفسه قَصْد العدد، ولو قال: طلِّقِي نفْسَك ثلاثاً، فقالت: طلقْتُ نَفْسي، أو طلقْتُ، ولم تتلفظ بالعدد، ولا نَوَتْه، فعن القاضي الحُسَيْن؛ أنه يقع الثلاث؛ لأن قوله هاهنا جوابٌ لكلامه فهو كالمعاد في الجواب، وإذا لم يتلفَّظ بالثلاث، ونوى، لمْ يمكن أن يقدر عود المَنْوِيِّ في الجواب؛ لأنَّ التخاطُبَ يقَع باللَّفْظ لا بالنية، وهذا ما أورده صاحب "التهذيب".
وقال الإِمام -رحمه الله-: وهذا الجَوَاب بتوجهه ينبي إن جعلْنا التفويض تمليكاً، وإن جعلناه توكيلاً، فتصرف الوكيل بفسخ غيْر مبنيٍّ على التوكيل، ولذلك لم يُشْتَرَطِ اتِّصَالُه، وإذا لمْ يكُن مبنيًّا علَيْه، فالوجه أن لا تقع الثلاث، نعم من شَرَط اتصال تصرف الوكيل على ما حكاه وجْهاً عن بعض الأصْحاب اتَّجَه عنده وقوع الثلاث، كما على قول التمليك، قال: ويجوز أن يقلب فيقال إن جعلْناه توكيلاً، لم يبن كلامُها على كلامه، ولم تقع الثلاث، وإن جعلْنَاه تمليكاً، فيحتمل أن يكون الحُكْم كما حكي عن القاضي -رحمه الله-، ويحتمل أن لا يبني كلامها؛ على كلامه لأنه قام في نَفْسِه، بخلاف