وإذا كان عنْده أن امرأته ليْسَت في القَوْم، كان مقصوده من اللفظ غيْرَها، فيكون مُطَلِّقاً لغيرها لا لها، كما أنه إذا استثنى زَيْداً بقلبه، وكان المقصود غيْرَه كان مسلماً على غَيْر زيْد.
ومن نظير هذه الصورة ما إذا نَسِيَ أنَّ له زوجةً، وطلَّقها، وكذلك لو قبل له أبوه في صِغَره أو وكيله في كبره نكاحَ امرأة، وهو لا يَدْرِي فقال: زَوْجَتي طالقٌ أو خاطب تلْك المرأة بالطلاق، فالمشهور وقوعُ الطَّلاق، وقد حكاه القاضي ابن كج عن نَصِّ الشَّافعي -رحمه الله- وهَذَا في الحُكْم الظاهر، وأمَّا في الباطن فقَدْ أطْلَق أبو العبَّاس الرُّويانيُّ في الوقوع باطناً وجهيْن، قال: ويُحْتَمل أن يُقْطع بالوقوع في صورة النِّسْيان، ويختص الخلاف بما إذا لم يَعْلَمْ أن له زوجة أصلاً كما يُفرَّق بيْن ما إذا صلَّى مع نجاسة نسيها، وبين ما إذا صلَّى مع نجاسة، لم يعْلَمْ بها أصلاً، وفي "التتمة" أنَّه يُبْنَى ذلك على أن الإِبراء عن الحُقُوق المجهولة، هل يصحُّ؟ إنْ قلْنا لا يصحُّ، لم يقع الطلاق بينه وبين الله -تعالى (1).
ومن لُقِّنَ كلمة الطلاق بلُغة لا يعْرفُها كالعجميِّ يلقن لفظ الطلاق، فأتى بها، وهو لا يَعْرف معناها, لا يقع طلاقُه، كما لو لُقِّن كلمة الكُفْر، فتكلَّم بها وهو لا يَعْرِف معناها, لا يُحْكَم بكفره، قال أبو سعد المتولِّي: وهذا إذا لم يكُنْ له مع أهْل ذلك اللسان اختلاطٌ، فإن كان لم يُصَدَّق في الحكم، ويَدين فيما بيْنه وبين الله -تعالى- وإذا لم يقَع الطَّلاق، فلو قال العجمي: أردتُّ بهذه الكلمة معْناها بالعربية، ففي وقوع الطلاق وجْهان:
أحدهما: ويُحْكَى عن أقْصَى القضاء الماوَرْدِّي: أنَّه يقع؛ لأنَّه قد نَوَى الطلاق.
وأصحُّهما: وبه قال الشيخ أبو حامد؛ لا يقع؛ لأنَّه إذا لم يَعْرِف معنى الطلاق، لا يصحُّ قصْده، ولو قال: لم أعْلَمْ أن هذه الكلمة معناها قطْع النكاح، ولكن نَوَيْتُ بها الطلاق، وقصَدتُّ قطْع النكاح، لم يَقَع الطلاق، كما لو خاطبها بكلمة لا معنى لها، وقال: أردتُّ الطلاق.
واعْلَم أن مسألة تلقين العجميِّ مقصودةٌ بالذكر في نفْسها، واحتج بها في "الوسيط"، للاحتمال المذكور في صورة الجهل، واستشهد أيضاً بوجه سبق ذكره في "الغَصْب" فيما إذا قال الغاصب لمالك العَبْد: أعتق عبْدي هذا، فأعتقه المالِكُ جاهلاً بأنَّه عبْده، أنَّه لا يعتق.