قال الأكثرون: القولان جاريان فيما إذا تبين الصواب يقينًا مع يقين الخطأ وفيما إذا لم يتبين الصواب يقيناً مع يقين الخطأ ولا فرق، ومنهم من قال: القولان فيما إذا بَانَ يقين الخطأ مع يقين الصواب.
أما إذا تيقن الخطأ دون الصواب فلا يجب القضاء بحال؛ لأنه لا يأمن الخطأ في القضاء أيضاً فأشبه خطأ الحجيج في الوقوف بعرفة، فإنهم لما لم يأمنوا مثله في القضاء لم يلزمهم القضاء، وهذا معنى قوله في الكتاب: (فإن تيقن الخطأ ولم يظهر الصواب إلا باجتهاد ففي القضاء قولان مرتبان، وأولى بأن لا يجب) ومتى رتب المذهبيون صورة على صورة في الخلاف وجعلوا الثانية أولى بالنفي أو الإثبات حصل في الصورة المرتبة طريقان: أحدهما: طرد الخلاف.
والثاني: القطع بما في الصورة الأخيرة أولى به من النفي أو الإثبات. وقد يعبر عن هذا الغرض بعبارة أخرى مثل أن يقال: فيما نحن فيه هل يجب القضاء عند تيقن الخطأ؟ فيه ثلاثة أقوال:
الأول: يجب. الثاني: لا يجب.
الثالث: يفرق بين أن يتيقن معه الصواب فيجب وبين أن لا يتيقن فلا يجب، والأظهر طريقة طرد القولين، واعترض إمام الحرمين على التشبيه بخطأ الحجيج بأن قال: الخطأ ثَمَّ غير مأمون في السنين المستقبلة بحال، وهاهنا إن لم يأمن الخطأ في حالة الاشتباه فيمكنه الصبر حتى ينتهي إلى بقعة يستيقن فيها الصواب وما ذكرناه من الخلاف في أن المجتهد إذا بَانَ له يقين الخطأ هل يقضي بجري بعينه في حق الأعمى الذي قلده.
القسم الثاني: أن يظهر الخطأ بعد الفراغ من الصلاة ظنًا وذلك لا يوجب القضاء؛ لأن الاجتهاد لا ينقصض بالاجتهاد، ألا ترى أن القاضي لو قضى باجتهاده ثم تغير اجتهاده لا ينقض قضاؤه الأول، وينبني على هذا ما لو صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربعة اجتهادات فلا يجب عليه قضاء واحدة منها؛ لأن كل واحدة منها مؤداة باجتهاد لم يتعين فيه الخطأ، هذا ظاهر المذهب وهو الذي ذكره في الكتاب وعن صاحب "التقريب" وجهان آخران:
أحدهما: إنه يجب عليه قضاء الكل؛ لأن الخطأ مستيقن في ثلاث صلوات منها، وإن لم يتعين فأشبه ما إذا فسدت عليه صلاة من صلوات، وحكي في "التتمة" هذا الوجه عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني.
والثاني: أنه يجب قضاء ما سوى الصلاة الأخيرة، ويجعل الاجتهاد الأخير ناسخاً