أن الظاهر الانصراف إلى الأخيرة وحْدَها، ويوافق هذا البناء ما ذكر في "التهذيب" أنه لو قال: حفْصَة وعمرة طالقتان، وإن شاء الله، فيرجع الاستثناء إلى عمرة وحدها أو إليهما جميعاً؟ والأصحُّ الأول (1).
ولو قال: أنتِ طالقٌ واحدةً واثنتين إن شاء الله، ففي "النهاية" تخريجه على الوجهَيْن إن جمَعْنا المُفَرَّق، لم يقع شيْء، وإن لم يُفَرَّق، وقعَتْ واحدة، وعن رواية الشيخ أبي محمد عن القَفَّال أنه لو قال: أنتِ طالقٌ واحدة ثلاثاً إن شاء الله، من غير واو، لم يقع شيْء؛ فإن الواحدة المقدَّمة عائدةٌ في الثلاث، والاستثناء راجِعٌ إلى جميع الكلام، ولو (2) قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً ثلاثاً، إن شاء الله، فكذلك الجواب، وفي معناه ما لو قال: أنتِ طالقٌ، أنْتِ طالقٌ أنتِ طالقٌ إن شاء الله، وقصد التأكيد.
ولو قال: يا طالقُ، إن شاء الله، ففيه وجهان:
أظهرهما: أنه يقَع الطَّلاق ويلغو الاستثناء؛ لأن الاستثناء إنَّما يُعَاد، ويعمل في الأفعال دون الأسماء؛ ألا تَرَى أنَّه لا ينتظم أن يقال: يا أَسْوَد، إن شاء الله، لكن قضية هذا القَدْر من التوجيه أنه يختصَّ الاستثناء بقوله: طلقُتكِ، ولا يدخل في قوله: "أنْتِ طالقٌ وقد يتخيل فرْق بينهما، ويقال يا كذا، يقتضي حصول ذلك الاسم أو الصفة حال النداء ولا يقال للحاصل: إن شاء الله.
وقوله: "أنْت كذا" قد يُسْتَعْمَل عند القرب منْه، فيدفع حصوله، كما يقال للقريب من الرسول: أنْتِ وَاصِلٌ، والمريض المتوقع شفاؤه على القرب: إنَّه صحيحٌ، وحينئذٍ فينظم الاستثناء.
والوجه الثاني، وإليه ميل الإِمام -رحمه الله-: أنَّه لا يقع؛ لأنَّه إنشاء في المعنى، كقوله: "طلقْتُكِ، وأنت طالقٌ"، ولو قال: يا طالقٌ، أنت طالقٌ ثلاثاً إن شاء الله، وقعَت طلقة بقوله: يا طالقُ، ولم يقع شيْء بقوله: "أنْتِ طالقٌ ثلاثاً" للاستثثاء.
ولو قال: أنتِ طالقٌ ثلاثاً يا طالقٌ إن شاء الله، فالمذكور في الكتاب، هو الذي حكاه الإِمام عن القاضي والأصحاب؛ تَفْريعاً عَلَى أن النداء: لا يدخله الاستثناء أنه لا يقع عليها شيْء أما بقوله: أنت طالقٌ ثلاثاً؛ فلأن الاستثناء مُنْصَرِف إلَيْه لامتناع انصرافَهُ