قَالَ الغَزَالِيُّ: وَلَوْ طَلَّقَ إِحْدَاهُمَا وَنَسِيَ فَعَلَيْهِ التَّوَقْفُ إِلى التَّذَكُّرِ، وَلَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَخَاطَبَ زَوْجَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُّ الأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: كان الغَرَض في الفَصْل السابق القَوْلَ في الشَّكِّ في أصْل الطَّلاق، وعدده إمَّا من شخصٍ واحد أو شخصين، والغرَضُ الآن القَوْلُ في الشَّكِّ في محَلِّ الطلاق، وقد يشتمل الفصْل على مسألتين:
إحداهما: إذا طلَّق الرجُل إحدى امرأتيه بعينها، ونسي المطلقة، فعليه، أن يتوقَّف عنْهما, ولا يغشى واحدةً منهما إلى أن يتذكَّر، وهذا قد يتَّفِق فيما إذا خاطَبَ معيَّنة بالطَّلاَق، ثم نَسِيَ، وقد يفرض فيما إذا قال: إحداكما طالقٌ، ونوى معيَّنةً ثم نَسِيَ المنوية، قال الإِمام وغيره: ولا مطالبة بالبيان، والحالة هذه، إن صدَّقناه في النِّسْيان، وإن كذَّبناه، وبادَرَتْ واحدةٌ وقالت: أَنَا المطلَّقة، لم يقنع (1) منه في الجواب بأنْ يَقُول: نَسِيتُ، أو لا أدري، وإن كان ما يقوله محتملاً، ولكِنْ يُطَالَب بيمين جازمة عَلَى أنَّه لم يطلِّقْها، فإن نَكَل، حَلَفت، وقضى باليمين المردودة.
الثانية: إذا حضَرَتْ زوجةٌ وأجنبية، فقال: إحداكما طالقٌ، ثم قال: عنيت الأجنبية، فهل يُقْبَل فيه وجهان، حكاهما الإِمام:
وأصحهما: وهو الذي أوردهَ أكثر الأصحاب، وحكى عن نصه -رضي الله عنه- في "الإمْلاء" أنَّه يُقْبَل قوله بيمينه؛ لأن الكلمة متردِّدة بينهما، محتملة لهذه ولهذه، فإذا قال: عنيتها، صار كما لو قال للأجنبية: أنتِ طالقٌ.
والثاني: لا يُقْبَل، وتطلَّق زوجته، لأنَّه أرْسَل الطَّلاق بين محله، وغير محله فينصرف إلى محلِّه؛ لقوته وسرعة نفوذه، وهذا كما أنَّه لو أوْصَى بطبل من طبوله، وله طبل حَرْبٍ، وطبْل لَهْوٍ تنزل الوصية على طَبْل الحَرْب تصحيحاً لها، والطَّلاق أقوى وأولى بالنفوذ من الوصية، ولو قالت زوجته، وهما حاضرتان: طلِّقْنِي، فقال: طَلَّقْتُكِ، ثم قال: عَنَيْت الأجنبية، لم يُقْبَل، ذَكَره في "التَّهْذيب"، وأمَتُه مع زوجته كالأجنبية مع الزوجة.