صاحب "البيان" حكى عن بعض أصحابنا وجهاً مثل مذهب أبي حنيفة.
وقوله: (على جنبه الأيمن) ينبغي أن يرقم بالحاء؛ لأنه عند ذلك يستلقي على ظهره، وكذلك بالواو إشارة إلى الوجه الصائر إلى مثل مذهبه، وكذلك قوله: (مستقبلاً بمقاديم بدنه القبلة) بالواو إشارة إلى الوجه الثالث.
وقوله: (أو يجري الأفعال على قلبه) ليست كلمة (أو) للتخيير بل للترتيب.
واعلم: أن جميع ما ذكر من أول الركن إلى هذه الغاية من ترتيب المنازل والهيئات مفروض من الفرائض، فأما النوافل فسنذكر حكمها في الفرع الثالث.
قال الغزالي: فرُوعٌ ثَلاثَةٌ: الأَوَّلُ مَنْ بِهِ رَمَدٌ لاَ يَبْرَأَ إلاَّ بِالاضْطِجَاعِ، فَالأَقْيَسُ أَنْ يُصَلِّيَ مُضْطَجِعاً وَإِنْ قَدرَ عَلَى القِيَامِ، وَلَمْ تُرَخِّصْ عَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ لابْنِ عَباَّسٍ فِيهِ.
قال الرافعي: القادر على القيام إذا أصابه رمد وقال له طبيب يوثق بقوله: إن صليت مستلقياً أو مضطجعاً أمكن مداواتك وإلا خفت عليك العمى فهل له أن يستلقي أو يضطجع بهذا العذر؟ فيه وجهان:
أحدهما: وبه قال الشيخ أبو حامد: لا؛ لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- لما وقع الماء في عينيه قال له الأطباء إن مكثت سبعاً لا تصلي إلا مستلقياً عالجناك، فسأل عائشة وأم سلمة وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة -رضي الله عنهم- فلم يرخصوا له في ذلك فترك المعالجة، وكف بصره، ويروى هذا الوجه عن مالك.
وأظهرهما: وبه قال أبو حنيفة وأحمد: له ذلك كما يجوز له الإفطار في رمضان بهذا العذر، وكما يجوز ترك الوضوء والعدول إلى التيمم به كما يجوز ترك القيام لما فيه من المشقة الشديدة والمرض المضجر فلأن يجوز تركه لذهاب البصر كان أولى، ولو كانت المسألة بحالها وأمره الطبيب بالقعود فقد قال إمام الحرمين: الذي أراه أنه يجوز القعود بلا خلاف، وبنى هذا على ما حكيناه عنه في أنه يجوز ترك القيام بما لا يجوز به ترك القعود، قال: ولهذا فرض شيوخ الأصول الخلاف في المسألة في صورة الاضطجاع، وسكتوا عن صورة القعود والمفهوم من كلام غيره أنه لا فرق، -والله أعلم-.
قال الغزالي: الثَّانِي: مَهْمَا وَجَدَ القَاعِدُ خِفَّةً في أَثْنَاءِ الفَاتِحَةِ فَلْيُبَادِرْ إلَى الْقِيَامِ، وَلْيَتْرُكِ القِرَاءَةَ فِي النُّهُوضِ إِلَى أَنْ يَعْتَدِلَ، وَلَوْ مَرِضَ فِي قِيَامِهِ فَلْيَقْرَأ فِي هَوِيِّه، وَإِنْ خَفَّ بَعْدَ الفَاتِحَةِ لَزِمَ القِيَامُ دُونُ الطُّمَأْنِينَةِ لِيَهْوِيَ إلَى الرُّكُوعِ، فَإِنْ خَفَّ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ كَفَاهُ أَنْ يَرْتَفِعَ مُنْحَنِياً إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ.